سوسو… وردة تشرين التي لم تذب

رحلت سهير غادر – سوسو، تلك التي أحبّت الحياة أكثر مما أحبّها من حولها.
ستّ سنواتٍ حاربت السرطان كأنها في حوارٍ معه، لا في حربٍ ضده.
لم تهزمها الآلام، كانت تبتسم وهي تتكئ على وجعها، وتقول بثقةٍ غريبة:
“كل شي رح يمرّ… المهم نضحك شوي.”
حين دخلتُ غرفة المستشفى، وجدتها كما عرفتها دائمًا: أنيقة، مشرقة، تفيض حياة.
كانت تمزح مع الممرضات، تضحك من قلبها، وتوزّع طاقتها الإيجابية كأنها هي التي تعتني بهم لا العكس.
لم يكن في ملامحها أثرٌ للخوف، بل ذلك السلام العجيب الذي يسبق الرحيل الجميل ،تفتّش في حقيبتها الصغيرة التي حملتها من البيت كما لو كانت تحمل عمرها كله ربما كانت مدركة انها لن تعود
بحثت عن نظّاراتها الحمراء وقالت لي وهي تضحك:
“انظري، جبت متل نظّاراتك!”
ضحكنا… ولم أدرِ أن تلك اللحظة كانت الوداع المؤجل،
وأنني حين خرجت من غرفتها كنت أترك خلفي قلباً يعرف أنه لن يعود.
وفي غروب الأمس، وصلتُ إلى مدخل المستشفى،
لكنني لم أدخل.
قيل لي إنها في غفوةٍ عميقة، فشعرت أن النهاية تقترب،
وأن اللقاء صار مستحيلاً.
وقفت للحظةٍ أمام الباب، ثم غادرت بصمتٍ بلا وداع…
كأن قلبي كان يعلم أن سوسو تختار رحيلها بهدوءٍ يشبههااليوم، أخذها الخبيث إلى مكانٍ لا ألم فيه،
سوسو…
أخذك السرطان كما أخذ من قبل صديقاتٍ أخريات من العمر والذاكرة.
لكنه لم يأخذ روحك التي بقيت ترفرف في كل من عرفك.
تركتِ لنا درسًا لا يُنسى: أن الفحص المبكر ينقذ، وأن الشجاعة تصنع معجزة حتى وإن لم تنتصر على المرض.
في تشرين الذي وُلد فيه الوجع الوردي، صار رحيلك رسالة،
رسالة لكل امرأةٍ تُهمل صحتها،
ولكل قلبٍ يعتقد أن الحياة مؤجلة
لكنّه ترك وراءه فراغاً كبيراً، ووجعاً لا يُحتمل.
سوسو التي أحبّت الضوء، غادرت في تشرين،
شهر الورد الوردي، لتكون رسالتها الأخيرة لنا جميعاً:
لا تُهمِلوا الفحص، لا تُهمِلوا أنفسكنّ، فالحياة تستحق أن تُقاتَل.
سوسو…
تضحك في عزّ التعب، وتُهدي طمأنينة لمن حولها وهي أحوج إليها.
غادرت بصمتٍ يشبه الندى،
لكنّها تركت وراءها عبق الشجاعة،
وضوء النساء اللواتي لا يستسلمن ولو غدر بهنّ الجسد.
سلامٌ لروحك الجميلة،
يا صديقتي، يا رفيقة الأيام الصعبة،
يا وردة تشرين التي لم تذب…
إلى جنات الخلد يا صديقتي
[email protected]

لمشاركة الرابط: