كاد ميزان العدالة في لبنان أن يختلّ، هذا الميزان الوحيد الذي لا تميل كفّته ولا ينقص وزنه ولا يضطرب قياسه ، لو لم يُثبت رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى بالإجماع وحدتهم في مواجهة تجاوزات القاضية غادة عون بإحالتها الى التفتيش القضائي للمساءلة، والطلب منها تطبيق قرار النائب العام التمييزي، بعدما خرقت كل الخطوط الحمر، وبات الأمر بحاجة الى قرار حاسم ، قرارٌ أثبت صوابية إجراءات النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات بكف يد عون عن الملفات المالية الهامة، لتعاطيها معها من منطلق سياسي بحت متجاوزة القوانين المرعية الإجراء، ومعبّرة بذلك عن توجه سياسي لدى فريق يمتلك قرار التعطيل في أي من الملفات القضائية ، وخير مثال ساطع على هذا التعطيل هو التشكيلات القضائية.
إنتقائية الملفات وسوء الأداء في معالجة هذه الملفات التي أُريد من فتحها استهداف الخصوم تحت شعار”مكافحة الفساد”، أخذ الحيّز الأكبر من جلسة “استجواب” عون أمام مجلس القضاء الأعلى، أضف اليها التجاوزات التي لا تحصى في “سجلها القضائي” خصوصاً ما شاهده اللبنانيون مؤخراً على شاشات التلفزة من عمليات إقتحام لشركة تحويل أموال الى الخارج . دافعت عون عن صوابية قراراتها وأدائها أمام المجلس، وفق ما ذكرت مصادر قضائية.
وتيمناً بمرجعيتها “أنا ميشال عون” إستهلت القاضية عون مرافعتها أمام المجلس بعبارة :”أنا غادة عون” ، مرافعةٌ مكتوبة طلبت فيها” إخراجي من أثواب السياسة” التي ارتدتها بنفسها .
وتعتبر المصادر أن عون أظهرت نفسها من خلال مرافعتها بمظهر “الضحية” انطلاقاً من كونها رأس حربة في مكافحة الفساد “فلا خطوط حمر على الفاسدين”. وأكثر من ذلك، حاولت عون أن تظهر أن فريقاً سياسياً يضع العراقيل أمام “طموحها” في كشف الفاسدين ، ليأتيها الرد أن ما يؤخذ عليها هو أداؤها وخرقها للقوانين، مع ما يترتب على هذا الأمر من نتائج تستدعي معالجة جذرية خصوصاً بعد تكرار تجاوزاتها من خلال مواقفها وتصرفاتها.
القانون الذي أصبح مطيّة قوة عون”العظمى” الذي تستمده من”العهد القوي”، طالبت المجلس بتطبيقه وهو القانون نفسه الذي خرقته عون فبات يشبه “قانون قيصر” الذي جرّ “عقوبات”عليها، بوضعها موضع المساءلة.
لا شك أن مجلس القضاء الأعلى واجه ” صعوبة” في التوصل الى قرار جامع بشأن عون، فوفق المصادر فإن اختلافاً نشب بين رئيس المجلس وستة من أعضائه بينهم العضوان الحكمّيان القاضي عويدات ورئيس التفتيش بركان سعد من جهة ، وبين عضو واحد فقط ، كان يتجه الى مخالفة القرار الذي توصل اليه بشأن إحالة عون على التفتيش والتأكيد على قرار عويدات بكف يدها عن النظر بالملفات المالية الهامة والمخدرات وجرائم القتل ، وتتابع المصادر في هذا الإطار أنه سبق للمجلس أن واجه مواقف أكثر صعوبة من ذلك، لكنه بقي على وحدته ضارباً مثالاً على ذلك التشكيلات القضائية التي وضعها المجلس نفسه بإجماع أعضائه، وأكد على هذه الوحدة بعدما ردتها وزيرة العدل للمجلس مبدية ملاحظاتها عليها.
ترفض غادة عون المسّ بمصداقيتها و”تعفّف” تحقيقاتها، وهي انطلاقاً من ذلك، حملت في الى المجلس ثلاث شكاوى ضد وزيرة العدل والقاضيين عويدات وسعد، الأولى بسبب طلبها إحالة “ملف مكتف” برمته الى التفتيش، أما الشكويين الأخريين فلإعتبارها أن عويدات قد خالف القانون بعدما نزع عنها صلاحياتها كنائبة عامة إستئنافية، فيما خالف سعد الأصول لجهة استدعائها في شكاوى رفعت ضدها أمام التفتيش.
وبلغة القانون، فان الشكاوى الثلاث لا أرضية لها، وتخرج عن صلاحيات مجلس القضاء الأعلى.
وكانت عون قد حضرت عند الساعة العاشرة من صباح اليوم الى مجلس القضاء الأعلى الذي استمع اليها على مدى 45 دقيقة لينصرف بعد ذلك الى اجتماعه الذي امتد الى أكثر من خمس ساعات قبل أن يصدر بياناً أحال بموجبه عون على التفتيش وأكد فيه على قرار عويدات بشأن عون.
ومواكبةً لها، تجمع عدد من مناصري عون من” التيار الوطني الحر” أمام قصر العدل في بيروت، قبل أن ينسحبوا بعد ساعة من مغادرة عون “عدلية بيروت” لتداهم للمرة الثالثة “شركة مكتف ” في عوكر “واعدةً” وكيلها المحامي الكسندر نجار الذي منعها من الدخول، بالعودة غداً لإستكمال عملها.
كاتيا توا