أحار من أين أبدأ ؟
أًمِن ألم الغربة وحنين العودة الى ست الدنيا بيروت ؟ أم من الحديث الذي دار بيني وبين الطبيب الذي سألني عن أخبار الجريدة عصر اليوم ، أي قبل ساعة من انتشار خبر جفاف محبرة “المستقبل” وإرهاق أوراقها وتوقفها عن الصدور ؟ أم من زيارة الرئيس الشهيد رفيق الحريري المفاجئة لأسرة تحرير الصحيفة في ليل الرابع عشر من حزيران من عام 1999 ، عشية صدور الصحيفة التي تحمس لإطلاقها يوم استقال من حكومة أميل لحود واصطف في الخط المعارض لحكوماته ! أم من لبنان الذي عرفته بمختلف طوائفه من خلال صحيفة لا تتعدى عدد صفحاتها ال24 صفحة من خلال أسرة التحرير التي أرادها رفيق الحريري أن تكون مثالا للعيش المشترك ! ، أم من ألم مغادرة مكتبي الخشبي الذي تركته في 26 أيلول العام 2016 بلا وداع ملفوفاً بصورة رفيق الحريري التي واكبت أخباره وأخبار عائلته لسنوات طوال بكل ذكرياتها الجميلة ، وتلك المرة غداة جريمة العام 2005 .
وبعد جولة من المباحثات الدراماتيكية المبكية – المضحكة بيني وبين ذاتي تركت كل ذلك جانبا وقررت أن تكون البداية من النبتة الخضراء التي تزين شرفة منزلي في بيروت ولا أعرف اسم تلك النبتة التي إقتلعتها بجذورها من حوض تربة مبنى الصحيفة في منطقة الرملة البيضاء ، والذي كان يعرف “بالمقر المؤقت لرئاسة الجمهورية اللبنانية “، وكل مكان كان يملكه الشهيد رفيق الحريري كان بخدمة الوطن في أي ظرف ومناسبة ، ويومها كان يشغله الرئيس الراحل الياس الهراوي .
ذات يوم شتوي من شباط 1999 قبل عشرين عاماً من اليوم، قادني شغفي بالصحافة للبحث عن مبنى في منطقة الرملة البيضاء قيل لي يومها أنه بمحاذاة مقر أمن الدولة ويعرف بالمقر الرئاسي المؤقت ، وقيل لي أيضاً أن رفيق الحريري رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل (وهو مهندس الطائف وباني حضارة وطني وصاحب بصمة الإعمار فيه) قرر أن يفتح صحيفة جديدة ، وكنت في ذلك الوقت قد عدت لتوي من دولة الكويت وأبحث عن عمل في بيروت التي أحب ، وبقيت لساعات طوال أبحث عن ذاك المبنى الى أن وجدته ومن ثم قدر لي أن صرت من فريق عمله التأسيسي وبدءاً من العدد صفر في مطلع آذار من العام 1999 لغاية منتصف حزيران من العام نفسه تاريخ الصدور .
كانت “المستقبل ” بيتي والمكان الوحيد الذي تجرأت أن أترك أطفالي لساعات طوال لأجله .
لن أدخل بمسيرة عشرين عاماً من عمر الصحافة المكتوبة على أوراق المستقبل ، سأختصره بالنبتة الخضراء التي غرستها في وعاء فخاري إعتنيت بها تماما كأولادي الى أن كبرت ، وقبل ست سنوات تركنا مبنى الرملة البيضاء الى مبنى سبيرس ، ويوم تم هدم المبنى الذي أسسنا فيه “المستقبل” أذكر جيدا أنني أصبت بحادث صغير ولما سألني الطبيب ماذا حصل أجبته “اليوم سقطت بناية الجريدة” .
اليوم فعلا كتبت عن خبر توقف صحيفة عن الصدور ، عرفت فيها الكثير من الخبرات ، أفرحتني وعلمتني وفي الوقت نفسه أوجعتني لحد اختلاط المشاعر ، هل أبكي على عهد مضى وذكرى ولّت وسنوات خلت ورفيق هوى ؟
وداعاً جريدة المستقبل غادرتك دون وداع ، ولكنك بقيت في القلب والنبض وحبر الكتابة وفواصل العنوان والمقال.
وداعاً يا منزلاً بناه رفيق الحريري وهوى شهيداً مثله بلا وداع
ستبقين حكاية على صفحات الموقع الذي أسست ، وحكاية إرتبط اسمها بإسمي على مر السنين
والوداع الأكبر لمكتبي الخشبي بكل ما يحمل من ذكرى ..وداعاً يا زملاء الزمن الجميل.
رحل رفيق الحريري
غابت جريدة المستقبل
وعاشت النبتة التي أسميتها “المستقبل” على شرفة منزلي .
إكرام صعب
من الفريق المؤسس لجريدة “المستقبل”
[email protected]
شو بخبرك عن بيت من لبنان !
يقول الفنان وديع الصافي في رائعة من أجمل أغانيه ” بيتي ما برضى يسيب بيتي أنا سلاحو .. ما بتركو للديب ولا بعير مفتاحو” من المؤسف القول أن بيوت العديد من اللبنانيين اليوم “تركت للديب” وضاعت مفاتيحها … وما أدراك ماذا فعل بها ” الديب” ؟ يعرف البيت اللبناني الأصيل ليس من حجارته المقصوبة فحسب
Read More