إكرام صعب
رغم أنّ بعض الوزراء يقومون اليوم بأعمال مشرّفة ومشكورة، ويسعون—ضمن إمكانيات محدودة—إلى تقديم مبادرات نافعة للناس، إلّا أنّ الصورة العامة في البلاد تبقى قاتمة. فإلى جانب جهود فردية محمودة، يبرز غياب فاضح لدى وزارات أخرى، وانعدام في الخطط، وركود إداري يجعل المواطن يسأل بمرارة: شو عم نعمل بهالبلد؟ وين الشغل؟
عام كامل مرّ على الحكومة، ولبنان لا يزال يتنفس بيئة ملوّثة تُنذر بالخطر. من سنة إلى اليوم، يختنق الناس بدخان المولّدات وبقايا النفايات المشتعلة، فيما الحرائق تلتهم غابات لبنان واحدة تلو الأخرى من دون أي تحرّك جدي أو خطة وقائية. كأنّ الطبيعة ليست أولوية، وكأنّ فقدان المساحات الحرجية مجرّد خبر عابر في جدول يومي باهت.
وفي موازاة ذلك، تشهد الطرقات اللبنانية فورة كارثية في حوادث السير. قتلى وجرحى كل يوم—صباحًا وظهرًا ومساءً. أرقام تفوق، في بعض الأحيان، خسائر غارات العدو. والأدهى أنّ حوادث أطفال المدارس داخل الباصات بدأت تتكرر بمختلف المناطق، من دون أن نرى رقابة أو إجراءات أو حتى بيان تطمين من جهة رسمية.
في ظل هذا المشهد، تبدو بعض الوزارات وكأنها معطّلة بالكامل. وزراء غائبون عن الملفات الكبرى، مشغولون بموضوع واحد فقط، أو متفرّغون للظهور الإعلامي من دون أي جدول أعمال أو رؤية. وإذا كان البعض غير قادر على القيام بمهامه، فالسؤال يصبح منطقيًا: ليش بعدن قاعدين على كراسيهن؟
البلد لن ينهض من دون خطة.
البيئة لن تُنقذ نفسها.
والناس لا يستطيعون الاستمرار في العيش بين السرطان المتصاعد في السماء، والموت المتربص بهم على الطرق.
حتى ملف النفايات—المعلّق منذ سنوات—لا يزال يدور في الدوامة نفسها: لا إعادة تدوير، لا معامل جديدة، لا إدارة علمية، فقط فوضى متنقلة وروائح خانقة وحرائق مكتومة. والأسوأ أنّ بعض الوزراء السابقين كانوا قد بدأوا بدراسة أو تنفيذ خطط، فجاءت وزارة جديدة فأوقفت كل شيء… من دون أن تقدم أي بديل.
هذا ليس تداوُل سلطة…
هذا تداوُل تعطيل.
وإذا كانت الحكومة السابقة—رغم كل ملاحظاتنا عليها—تعيش ظروفًا صعبة بحكم كونها حكومة تصريف أعمال، وكانت الحركة يومها “بركة” قياسًا إلى صلاحياتها المحدودة، فإنّ ما نشهده اليوم يطرح أسئلة أكثر حدّة.
فمع حكومة مكتملة الصلاحيات، ارتفعت نسبة الجريمة، وازداد عدد ضحايا حوادث السير بشكل غير مسبوق، فيما الحرائق تشتعل في غابات لبنان كأنها قدر محتوم، من دون خطط جدّية للوقاية أو الردع.
هذا التراجع في العمل الحكومي ليس تفصيلاً، بل دليل على فجوة عميقة بين ما يجب أن تقوم به الدولة وما يُقدَّم فعلاً على الأرض. وبين حكومة “تصريف أعمال” كانت تتحرّك ضمن حدودها… وحكومة كاملة الصلاحيات تبدو عاجزة عن مواجهة أخطر الملفات، يحقّ للمواطن أن يسأل—بصوت عالٍ وواضح—
وين الشغل؟
لذا، يصبح السؤال اليوم واجبًا، مباشرًا، وملحًّا:
وين الشغل؟
وين الخطط؟ وين الرؤية؟ وين المسؤولية؟
لأن البلد لم يعد يتحمّل “الانتظار”.
ولأن ما لم يبدأ اليوم… سيكون تأخّر البارحة وغرق الغد.
[email protected]







