لا يتردد التيّار الوطني الحرّ، ومن خلفه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بخوض معركة تعيين موظّف برتبة حاجب، لتكريس نفوذه داخل السلطة وهيمنته على كلّ المناصب. فكيف يستحي بإدارة معركة موظّف من الفئة الأولى، حتى لو طال أمدها وأخذت منه صولات وجولات.
فبركة ملفّات
هذه الاستراتيجية المعتمدة من فريق العهد، تتجلّى بأبهى صورها في معركة إزاحة رئيسة مصلحة تسجيل السيارات والآليات، المهندسة هدى سلّوم من منصبها، وتعيين أحد كوادر التيار البرتقالي مكانها، وعلى قاعدة الضرورات تبيح المحظورات، لا مشكلة لدى فريق العهد في فبركة الملفات القضائية لهذه السيّدة والزجّ بها في السجن مجدداً، وتشويه صورتها وسمعتها، لتحقيق الهدف المنشود، وهو تطهير إدارات الدولة من أي موظف مسيحي لا يدين بالولاء لـ”بيّ الكلّ”، وولي عهده جبران باسيل، ويقدّم لهما واجب الطاعة.
أداة طيّعة
لا شيء يفسّر إصرار النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون، على تنصيب نفسها خصماً وحكماً في آن لملاحقة هدى سلّوم، سوى أنها متطوعة دوماً لتنفيذ مشروع التيار العوني، وحبك التهم لكل المناوئين له، وهذا ما تجلّى مجدداً في إصدار القاضية عون بلاغ بحّث وتحرّ بحق سلوم وخمسة موظفين في مصلحة تسجيل السيارات، في ملفّ قيد التحقيق أمام مرجع قضائي آخر، كان لرئيسة مصلحة تسجيل السيارات الفضل في كشف المتورطين وسوقهم إلى العدالة.
تحدٍّ وإرباك
ولا يخفي مصدر قضائي، أن “قرار القاضية عون بإصدار مذكرات بلاغ البحث والتحري، أربكت السلطة القضائية التي لم تجد مبرراً له، وشكل تحدياً لوزير الداخلية محمد فهمي الذي امتنع عن إعطاء الاذن بملاحقة هدى سلوم، كما أحرج النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات”، معتبراً في تصريح لـ”المدن” أن “تجاوزات هذه القاضية فاقت كلّ التوقعات، وبات يطرح مسألة أهليتها للبقاء في هذا المنصب”. وشدد على أن “مجلس القضاء الأعلى أمام امتحان صعب، للتصدي لهذه التجاوزات، كما أن المطلوب من هيئة التفتيش القضائي، إظهار جديتها في التحقيق القاضية عون، التي تجد نفسها فوق المحاسبة والمساءلة، بسبب الدعم السياسي”.
كشف الإختلاسات
لماذا استفاقت القاضية غادة عون على هدى سلوم مجدداً؟ وبأي تهمة تحاول ملاحقتها مجدداً؟ تؤكد مصادر رسمية متابعة لهذه الملفات عن قرب، أن القاضية عون “تلاحق المهندسة سلّوم في قضية كانت الأخيرة تشكو منها، وتطلب من النيابة العامة التحقيق بشأنها”. وتقول المصادر لـ”المدن”: “في منتصف العام 2016 اكتشفت سلّوم وجود اختلاسات في المصلحة (تسجيل السيارات) خصوصاً في قسم الشاحنات، وأطلعت وزير الداخلية (السابق) نهاد المشنوق، الذي انتقل إلى الدكوانة وعاين الأمر على الأرض، وعقد مؤتمراً صحافياً، أشاد فيها بمناقبية المهندسة سلوم وكشفها لهذه الاختلاسات، وأحيلت القضية على النيابة العامة المالية، ثم اكتشفت ارتكابات مماثلة في العامين 2018 و2019، وأحيل عدد من الموظفين على التحقيق أمام النيابة المالية”.
نوايا غير سليمة
يبدو أن عودة المهندسة سلّوم إلى مزاولة عملها بعد ثلاث دعاوى رفعتها ضدها غادة عون، لم تمرّ مرور الكرام لدى “العهد القوي”. إذ عمد أحد محامي التيار إلى تقديم إخبار أمام القاضية عون ضدّ سلّوم، يتهمها بأنها شريكة في جرائم السرقة التي حصلت في العام 2016، والتي كشفتها سلوم شخصياً. وأوضحت المصادر المواكبة للملف أن فريق الدفاع عن المهندسة سلّوم “فوجئ بمذكرة استدعاء وصلت إلى الأخيرة تطلب مثولها مع خمسة موظفين في النافعة أمام القاضي عون”. وأشارت إلى أن رئيسة مصلحة تسجيل السيارات “لم تتمرّد على قرار القاضي عون، رغم معرفتها بأنه ينطوي على نوايا غير سليمة، بل طلبت إبلاغها بذلك بواسطة رئيسها المباشر، وزير الداخلية محمد فهمي”. وقالت المصادر “ما إن وصلت مذكرة التبليغ للوزير فهمي، حتى سارع الأخير إلى رفضها، وأبلغ القاضية عون بأنه لن يعطي الإذن لملاحقتها أو التحقيق معها في قضية كان للمهندسة سلوم شرف كشفها وتوقيف المتورطين فيها. كما بعث وزير الداخلية بكتاب للنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات أطلعه فيه على مذكرة القاضية عون وقراره برفضها، فما كان من عويدات الّا أن طلب من عون صرف النظر عن استدعاء سلوم ورفاقها، طالما أن وزير الداخلية لم يعط موافقته، ولكون القضية قيد النظر أمام النيابة العامة المالية”.
وقف البلاغات
وطالما أن القاضية عون ترتكز إلى الحماية السياسية، وتظهر وفاءها للفريق الذي انتدبها لهذه المهمة ويؤمن لها الحماية الكاملة، سارعت وفق المصادر المطلعة إلى إصدار مذكرات بحث وتحر بحق هدى سلوم والموظفين الخمسة، وطلبت من الأجهزة الأمنية توقيفهم عند العثور عليهم. كما أصدرت قراراً بمنعهم من السفر. عندها وجّه وزير الداخلية كتاباً جديداً إلى القاضي عويدات أطلعه على قرارات القاضية عون المفاجئة، فسارع عويدات إلى وقف مذكرات بلاغ البحث والتحري وتجميد قرار منع السفر، وقرر إحالة تجاوزات هذه القاضية على مجلس القضاء الأعلى الذي سيلتئم غداً الثلاثاء ويتخذ القرار المناسب بشأنها.
خصم سياسي
من جهته، أكد وكيل هدى سلوم المحامي مروان ضاهر أن القاضية عون “ليست طرفاً محايداً للتحقيق مع سلّوم، بعد أن تقدمت الأخيرة بدعوى ضدها، على خلفية توقيفها خلافاً للقانون”. وأوضح لـ”المدن” أن القاضية عون “باتت خصماً سياسياً وليست مرجعاً صالحاً للتحقيق، بل تتخذ قراراتها بخلفية الانتقام والتشفّي”. وقال “الهدف من تحريك دعاوى جديدة ضدّ موكلتي هو إقالتها من منصبها لتعيين أحد أبرز المقربين من رئيس التيار جبران باسيل، وهو المهندس فوزي مشلب مكانها”. وقال “إذا كانت الغاية إقالة سلّوم، لماذا لم تتخذ الحكومة الخاضعة بكليتها للتيار الوطني الحرّ إلى إعفاء المهندسة سلوم من منصبها؟”.
الولاء السياسي
وأظهرت قرارات القاضية عون، الخلفيات الحقيقية لقرار رئيس الجمهورية بتجميد مرسوم التشكيلات القضائية، الذي يقضي بنقل القاضية عون من منصبها كنائب عام استئنافي في جبل لبنان، وتعيينها في مكان آخر، كي لا يفقد رئيس الجمهورية وفريقه، قاضية موالية له في تحريك ملفات بخلفيات سياسية، وربما التعتيم على ملفات تطال المقرّبين من العهد، بما يمهّد إلى الهيمنة الكاملة على كل المؤسسات وفي طليعتها السلطة القضائية.
التفتيش المركزي
وأثارت عودة المهندسة سلّوم الى وظيفتها حفيظة التيار وكلّ رجالاته داخل المؤسسات الرسمية، فأصدر رئيس التفتيش المركزي القاضي جورج أوغست عطية (المحسوب على رئيس الجمهورية) قراراً اعتبر فيه أن استمرار رئيسة هيئة إدارة السير هدى سلوم في مركزها “مخالف للقانون منذ انتهاء فترة الثلاث سنوات لتعيينها في 24 أيار 2017”.
المصدر : المدن
حكايةُ قبر أُمّي..
كانت والدتي رحمها الله تقولُ لنا في سهراتنا الطويلة : ” إدفنوني بين أهلي لأنني آنَسُ بهم .. فَلَكَمْ أبصرتُ مقبرةَ قريتنا في شبعا بعدَ ذوبان ثلج حرمون تنقلبُ حديقةً غنّاءَ ، تَنْبُتُ في ثناياها أشجارُ الجوز والحور والبيلسان .. وزهر الياسمين . أوصتني أمي وأنا بعد صغيرة فقالت :” لا تدفنوني بعيداً عن أهلي
Read More