لماذا تركنا العالم وحدنا؟ وكيف تحوّل لبنان إلى “كرنتينا” المنطقة، أي إلى سجن مقفل، كمَحْجر صحيّ/سياسيّ لأمراض المنطقة ومرضاها، إلى كرنتينا سياسية وكرنتينا أمنيّة وكرنتينا عسكرية، وكرنتينا أحزاب وشخصيّات وإعلام؟ أوصلتنا هذه الكرنتينا إلى إقفال أبواب الدخول والخروج، حتّى الأصدقاء والأقرباء لم يهتمّوا لجراح آلاف المدنيين أمس الأوّل، ولم يرسلوا لنا حتّى ضمّادات للجروح. وقفوا يتفرّجون.
في حروب وأزمات سابقة، وبعد أيّام من أيّ عدوان إسرائيلي، كانت تتدفّق على لبنان مساعدات، عربية وغربية، بالجملة والمفرّق، طبيّة وغذائية وما شابه. اليوم، لا أحد يريد مدّ يد المساعدة لنا، حتّى الدول التي لم تنقطع حواراتها مع الحزب، عربياً مثل مصر وقطر، وأوروبياً مثل فرنسا وألمانيا. هذا لأنّ لبنان الرسمي قطع حبال الودّ مع كلّ العالم، عَرَباً وغَرْباً.
اليوم، لا أحد يريد مدّ يد المساعدة لنا، حتّى الدول التي لم تنقطع حواراتها مع الحزب، عربياً مثل مصر وقطر، وأوروبياً مثل فرنسا وألمانيا
لبنان الرسمي هذا أعلن رئيس حكومته أن لا وقف لإطلاق النار من جنوب لبنان قبل وقف إطلاق النار في غزّة. ولبنان الرسمي هذا، وزير خارجيّته هدّد في مجلس الأمن إسرائيل بمزيد من التهجير، فقطع آخر احتمال لـ”فصل الدولة عن الحزب”. قالها رئيس الحكومة ووزير الخارجية: “نحن والحزب واحد”. فلماذا سيتصرّف العرب والغرب مع لبنان كما كانوا يفعلون سابقاً؟ لماذا سيميّزون بين لبنان والحزب؟
لم يرسل لنا أحد مساعداتٍ، بل حتّى شاشاً للجروح. لا أحد يريد بلسمة جراحنا.
يُعامل العالم لبنان باعتباره “كارنتينا”، منطقة حجر مليئة بالمصابين بأمراض معدية. ممنوع الدخول أو الخروج. ويقفل العالم علينا داخل هذا الحجر الصحّي / السياسي / العسكري.
يُعامل العالم لبنان باعتباره “كارنتينا”، منطقة حجر مليئة بالمصابين بأمراض معدية. ممنوع الدخول أو الخروج. ويقفل العالم علينا داخل هذا الحجر الصحّي
وحدهم اللّبنانيّون يدفعون الثّمن
حتّى رئيس الحكومة ووزير الخارجية ربطا لبنان بغزّة. والحكومة كلّها تعجّ اليوم بالخائفين من الحزب، أو الطامحين لمناصب أعلى من مناصبهم يعطيهم إيّاها الحزب.
لهذا ترى هذا الوزير السنّيّ يحلم برئاسة الحكومة، وذاك الوزير الماروني، وزير الخارجية على سبيل المثال، يحلم برئاسة الجمهورية.
كلّ واحد منهم يقدّم أوراق اعتماده للحزب. لكنّهم يغفلون عن أنّهم يقدّمون من مستقبل لبنان واللبنانيين، وأنّ محو الخطّ الفاصل بين الحزب والدولة يعني أخذ الدولة بجريرة الحزب، ومعاقبة لبنان عقاباً جماعياً.
هذا ما نعيشه اليوم. حيث يعاملنا العالم كلّه باعتبارنا دولة الحزب. جرحانا وشهداؤنا متروكون لمصيرهم. لم ترسل لنا دولةٌ واحدةٌ أطبّاءها، ولا مستشفى ميدانيّاً واحداً.
أين “أطبّاء بلا حدود”؟
حتّى المنظّمات الإنسانية الدولية، مثل “أطبّاء بلا حدود”، لم تلتفت إلينا. هذه المنظّمات التي تداوي أيضاً المسلّحين و”الإرهابيين” في الحروب والنزاعات المسلّحة في العالم تركتنا وأدارت لنا الأذن الطرشاء.
حتّى المغتربون، الذين كانوا ينظّمون حملات تبرّع، وحملاتٍ إعلامية ونشاطاتٍ تضامنية، لا أحد منهم “على السمع” كأنّ “العصب الإنساني” تعطّل في أنحاء الكوكب كلّه.
فهل مشاهد غزّة وأرقامها، بمئات آلاف القتلى والجرحى، جعلت أرقام لبنان “الغزّيّة”، مع آلاف القتلى والجرحى، مجرّد أرقام إضافية على لائحة الإبادة الإسرائيلية “العاديّة”؟
وهل تكون الأيام الآتية حاسمة في إعلان لبنان “كارنتينا الشرق” أم تتحرّك الضمائر من حولنا؟
محمد بركات – أساس ميديا