“سيعُودون بَعد قَليل “… بقلم عاطف البعلبكي

وحيداً على دَراجته يكسرُ حاجزَ الصمت ، يَسير مُحدِّقاً في الأفُق البعيدِ غيرَ عابىء بالحَظر وبقناديلِ “الكورنيش” المُطفأة التي استسلمت صاغرةً للعَتْمة ، وب “البَيات الربيعي” غير المَسبوق ، من يا تُرى أوقفَ عجَلةَ الزمن ، وألزمَ رُوادَ الأزرَق الذي ألفُوه منذ مئات السِّنين ب “لَعْنة” السُّباتِ الشتوي في عزِّ فَصل تَجدُّدِ الحياة ؟ من مَنعَهُم من مُناجاة صَوت الموج ، ولقاءِ طُيورِ النَّورَسِ وتَنشُّقِ نَسيمِ الحُرّيةِ على شاطىء نجا حتى حينٍ من بَراثن الجَشع ، وأنياب حيتان المال ؟ من غيَّرَ عاداتهم وبدَّلَ هواياتهم ، وفرضَ عليهم الحجْرَ في البيوت بينَ عتمةِ الجُدْران ؟
سَأتمرَّدُ على غائِلة الموتِ والألم ، قال الدرَّاجْ ، لن تُكبِّلَني جُرثومةٌ ماكرةٌ لتَحجُبَ عني نُورَ الشَّمس ، سأصرُخُ بِأعلى صَوتي … عالياً جداَ : أوقِفوا المأساةِ وأسدلوا السِّتارةَ على هذه “التّراجيديا السَّوداء” ، ولتُشعَلْ أنوارُ المسرح مُعْلِنةً إنتهاء الفصلِ الأخير ؟ لقد سئِم النَّاسُ من هذا العَرض المَقيت .
سَتُشرقُ شَمسُ البَحر في صَباح يَومٍ جديدٍ بإذن الله ، وتُرسلُ شُعاعَ الأمل كي يُلوِّنَ صَفحتهُ بالذَّهب ، ويَعودُ بائعُ الكَعك إلى طاولته الصَّغيرة ، وصيَّادُ السَّمكِ إلى كُرسيِّه العتيق … يُلقي بصنَّارته في اليَمِّ مُفتِّشاً عَن رِزقهِ بأناةٍ وصَبر ، وسينقُرُ بائِعُ القَهوة فناجينَهُ العاجيَّةَ بإيقاع الطّيبَة والمودَّة ، ويَعودُ بائعُ “عَرانيس الذُّرة” والفُول والتُّرمُس إلى أصحابه الذين ألِفوا مَلامِحَهُ ونَبرةَ صَوتِه ومُوسيقى “مِلقَطِه” المُحبَّبة ، ويُقبِلُ الكَهلُ السَّبعينيُ بمِشْيته الوادِعةِ على رياضَته الصَّباحيَّةِ التي ألِفَها مُنذُ عُقود وعُقود .
ويَعودُ عُشَّاقُ البحر من الشَّباب لإنتظار غُروبِ الشَّمس ووَداعِها عند الأُفُق اللاَّهب لمُلاقاتها في صَباح يَوم جديد .
رُوَّادُ بحر دَارِ المُريْسة في حالة حُبِّ مع المَكان ، لقد صارَ جزءاً من ذواتهم يفتقدِونَهُ ويَفتقدُهُم ، ويَسألُ عنهُم إذا أطالوا الغِيابْ فهم “سَيعُودُونَ بَعد قليل “…!

[email protected]

لمشاركة الرابط: