وحيداً على دَراجته يكسرُ حاجزَ الصمت ، يَسير مُحدِّقاً في الأفُق البعيدِ غيرَ عابىء بالحَظر وبقناديلِ “الكورنيش” المُطفأة التي استسلمت صاغرةً للعَتْمة ، وب “البَيات الربيعي” غير المَسبوق ، من يا تُرى أوقفَ عجَلةَ الزمن ، وألزمَ رُوادَ الأزرَق الذي ألفُوه منذ مئات السِّنين ب “لَعْنة” السُّباتِ الشتوي في عزِّ فَصل تَجدُّدِ الحياة ؟ من مَنعَهُم من مُناجاة صَوت الموج ، ولقاءِ طُيورِ النَّورَسِ وتَنشُّقِ نَسيمِ الحُرّيةِ على شاطىء نجا حتى حينٍ من بَراثن الجَشع ، وأنياب حيتان المال ؟ من غيَّرَ عاداتهم وبدَّلَ هواياتهم ، وفرضَ عليهم الحجْرَ في البيوت بينَ عتمةِ الجُدْران ؟
سَأتمرَّدُ على غائِلة الموتِ والألم ، قال الدرَّاجْ ، لن تُكبِّلَني جُرثومةٌ ماكرةٌ لتَحجُبَ عني نُورَ الشَّمس ، سأصرُخُ بِأعلى صَوتي … عالياً جداَ : أوقِفوا المأساةِ وأسدلوا السِّتارةَ على هذه “التّراجيديا السَّوداء” ، ولتُشعَلْ أنوارُ المسرح مُعْلِنةً إنتهاء الفصلِ الأخير ؟ لقد سئِم النَّاسُ من هذا العَرض المَقيت .
سَتُشرقُ شَمسُ البَحر في صَباح يَومٍ جديدٍ بإذن الله ، وتُرسلُ شُعاعَ الأمل كي يُلوِّنَ صَفحتهُ بالذَّهب ، ويَعودُ بائعُ الكَعك إلى طاولته الصَّغيرة ، وصيَّادُ السَّمكِ إلى كُرسيِّه العتيق … يُلقي بصنَّارته في اليَمِّ مُفتِّشاً عَن رِزقهِ بأناةٍ وصَبر ، وسينقُرُ بائِعُ القَهوة فناجينَهُ العاجيَّةَ بإيقاع الطّيبَة والمودَّة ، ويَعودُ بائعُ “عَرانيس الذُّرة” والفُول والتُّرمُس إلى أصحابه الذين ألِفوا مَلامِحَهُ ونَبرةَ صَوتِه ومُوسيقى “مِلقَطِه” المُحبَّبة ، ويُقبِلُ الكَهلُ السَّبعينيُ بمِشْيته الوادِعةِ على رياضَته الصَّباحيَّةِ التي ألِفَها مُنذُ عُقود وعُقود .
ويَعودُ عُشَّاقُ البحر من الشَّباب لإنتظار غُروبِ الشَّمس ووَداعِها عند الأُفُق اللاَّهب لمُلاقاتها في صَباح يَوم جديد .
رُوَّادُ بحر دَارِ المُريْسة في حالة حُبِّ مع المَكان ، لقد صارَ جزءاً من ذواتهم يفتقدِونَهُ ويَفتقدُهُم ، ويَسألُ عنهُم إذا أطالوا الغِيابْ فهم “سَيعُودُونَ بَعد قليل “…!
عندما “يموت اللبنانيون على قيد الحياة “!
عشنا الحرب الأهلية اللبنانية بكل تفاصيلها وقسوتها وإختبرنا مع أهلنا الحياة في الملاجئ تحت الأرض وعلى أدراج المباني احتماء من القصف والموت نشأت كغيري من أبناء جيلي في عز الحرب الأهلية وتركت آثارها في النفس من أثر المعارك والقصف ندوباً نفسية قاسية يصعب أن تندمل . منذ أن اخترت الصحافة مهنة ، بتّ أعرف أكثر
Read More