كانت أمور اللاجئين السوريين في تركيا ” ماشية” بحكم قوانين الأمر الواقع منذ تهجيرهم من بلدهم ، ولم تتشدد الدولة التركية في تطبيق قوانين العمل والإقامة ، وبالتالي فقد أهمل البعض إستخراج الوثائق اللازمة ، وفجأة تغير كل شيء وأصبح ملف اللاجئين السوريين مادة للمزايدة والإستغلال السياسي الداخلي
وتم تطبيق القوانين بشكل جائر وعشوائي في إسطنبول راح ضحيتها مئات الأشخاص الذين ظلموا بهذه الحركة المفاجئة
اللاجئون السوريون في تركيا لم يكونوا عالة على أحد منذ تهجيرهم من بلادهم قسراً، فقد عملوا في المزارع والمصانع وفي التجارة وقطاع الخدمات والسياحة والمطاعم ، ودخل أبناؤهم المدارس التركية وأتقنوا اللغة بسرعة فائقة ، ونالوا الشهادة الثانوية وإمتحانات ال Yös المخصصة للطلاب الأجانب ودخلوا الجامعات وتفوقوا.
إلا أن الحزب اليساري الذي يطمح بالوصول إلى السلطة في بلده في الإنتخابات أظهر عداءً للاجئين ، وهذا الأمر مستغرب ، وعادة ما يأتي العداء للمهاجرين واللاجئين من الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تحاصر المهاجرين واللاجئين بقوانين الهجرة ، وتدعو الى تقييد الحريات .
وما جرى في تركيا أن الحزب الحاكم رد بشكل إعتباطي لكي لا يخسر قاعدته الشعبية ونسي الشعار الساذج (المهاجرون والأنصار) الذي طرح في بداية الكارثة السورية وكان مفيداً وقتها لبث روح التآخي عند الشعب التركي ونجح نسبياً في ذلك .
ولكن عندما طالت “المحرقة السورية” وتعقدت الأمور أكثر فأكثر ، كان يجب قوننة موضوع اللاجئين في تركيا وبالتدريج ، لتجنب ما حدث في اسطنبول من تشديد على إستصدار الوثائق ورخص العمل لمزاولة العمل فيها ، وما سوف يحدث في باقي محافظات تركيا – لا سمح الله-.
مع الأسف فإن المجتمع المدني والمنظمات الأهلية السورية ضعيفة في تركيا ، وليس هناك جهة مؤهلة وقوية تستطيع طرح هذه القضايا الكبيرة والمصيرية مع الحكومة التركية ومع منظمات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان ، وبالتالي يقوم معظم السوريين بحل المشاكل بشكل فردي لعدم وجود البديل
وما يجري من تضييق على اللاجئين السوريين في تركيا مؤخراً يعتبر كارثة أخرى تضاف إلى مجموعة الكوارث التي يصاب بها السوريين في كل أنحاء المعمورة ، فالبراميل الكبيرة تسقط على أهلنا في الداخل ، وبراميل صغيرة تسقط علينا في بلاد المهجر ، وعلى مسمع ومرأى من جميع قادة العالم مع الأسف .
وبالطبع – وكما هو معروف للجميع – فإن أساس الكارثة هو عدم دعم السوريين في الداخل للتخلص من الإستبداد ونيل حريتهم ، لا بل مساعدة الإستبداد على الفتك بالشعب وتشريده حول العالم .
خضر العاصي *
مهندس متقاعد يعيش في تركيا
*الآراء الواردة في النص تعبر عن رأي كاتبها .