سأحدثكم عن أمي ..

سأحدثكم عن أمي
عن ريحانة الماضي ..سأكتب اليوم بعض الكلمات من القلب !
ربما ليست هي المرة الأولى التي يخط حبر قلمي حروفه عن غالية ..
هي أمي تحمل إسماً على مسمّى ، عُرفت بذات الوجنتين الورديتين اللتين حافظتا على نضارتهما حتى وُورِي جسدها في الثرى
هي صاحبة النخوة والجرأة والمواقف الإنسانية والبيت المفتوح أبداً للضيوف .
عُرفت “أم إبراهيم” بحنان مميز شغلها عن كل العالم الاّ عن عائلتها وأحفادها ، فهي كانت رفيقة الأحفاد قبل الآباء .
شاءت الصدف أن تنتقل الغالية من أقصى الجنوب اللبناني، من بلدتنا شبعا إلى أقصى شماله ، إلى مدينة طرابلس الفيحاء في مطلع الخمسينيات عروساً لتنعم لاحقاً بمحبة أبناء طرابلس الذين أحبتهم وبادلوها المشاعر نفسها طيلة 60 عاماً من الجيرة والمودة استمرت حتى بعد مغادرتها عاصمة الشمال الفيحاء الى بيروت .
لم تتوان يوماً عن زيارة شبعا رغم طول المسافة بين شمال وجنوب لبنان من أجل أن تغرس في قلوبنا حب بلدتنا الأم.
في هذه العجالة أوقن تماماً بأنني لن أستطيع أن أفي أمي حقها علي من الرثاء تماماً ، ولو كتبت في الرثاء دفاتر الزمن كله .
في لحظة وفاتها بين يدي أحسست بنهاية العالم وقد يكون فعلاً توقف الزمن هناك
حتى بعدأن ووريت في الثرى بجانب وحيدها شقيقي ابراهيم
نعم بجانبه .. هي في الضريح نفسه وفي الثرى نفسه ، ولعلها تسامحنا بأننا أخفينا عنها خبر وفاة وحيدها لسنتين خلتا ، ساعدنا على ذلك تراجع وضعها الصحي فلم نجرؤ على إيذاء قلبها الطيب بهكذا خبر مفجع !!
ما يبرد وجع القلب اليوم مواساة الأهل والأصدقاء الذين وفدوا الى دارنا من أقصى لبنان إلى أقصاه مروراً بالعاصمة بيروت والبقاع والجبل ..
أم اليتامى كانت أيضاً لما كانت تختزن من فيض حنان خصها الله به عز وجل دون غيرها .
منذ أن رحلت “ست الستات” لم يغمض لي جفن ، هي المرأة التي لم تتعلم حروف الأبجدية ، ولكنها بَنَت أسرة متكاتفة ناجحة ولله الحمد !
يكفيني إحساسي بكل فرحة كانت ترتسم على وجنتيها لحظة قدومي لعندها .
هي الراضية المرضية التي طالما انتظرتني على شرفة منزلها لتسرع مهرولة إلى إعداد القهوة والجلوس على الشرفة نفسها لتبادل الأخبار .
ودعتني والدتي دون أن أشعر .. عندما وقع خاتم زواجها الذي كان يزين أناملها ، هذا الخاتم عرفته في يدها منذ نعومة أظافري وقع في يدي قبل وفاتها بساعات وكأنها بذلك قالت لي : “هذا لكِ ذكرى مني ..”
لا يسعني اليوم الّا أن أقول الحمد الله على كل حال
والشكر له في كل لحظة لأنه استجاب لدعائي مراراً في مشوار العمر
واحداها يوم رقدت أمي وأنا طفلة في فراش المرض ، خلتُ يومها أن ساعة الفراق قد دنت ، ولكن رحمة رب العالمين أنقذتها يومها وفي مرات كثيرات خلال الحرب واشكر الله مرارا على ذلك .
كما استطعنا النجاة لأكثر من مرة في حرب لبنان وايضاً بفضل دعوات الله عز وجل ، يوم خبأتنا في سترتها خوفاً من الرصاص
فكيف لي أن أفي ربي الشكر على نعمه إذ أبقاني في حضنها حتى بلغت التسعين .
عاشت أمي هذه السنوات وهي محملة دوماً بالشوق لنا ، لم تكتفِ منّا بالمحبة والحنان حتى بحضورنا الدائم بقربها وبعد عودتنا من الغربة! حيث أبت العيش من دون وجودي إلى جانبها
غابت عنا الآن الى الأبد ونحن راضون بقضاء الله عز وجل رغم غصة كبيرة في القلب من ألم الفراق …
فراق “أم ابراهيم” ست الستات !
[email protected]
#خرب_شات

لمشاركة الرابط: