وحدها اليمامات التائهة الباحثة عن رزقها حلّت في المكان الهادىء ، لتحط عند حواف النوافذ ، باحثة عن أصحابه الذين هجروا مكاتبهم ومقاعدهم بسبب فيروس كورونا المستجد هكذا وعلى عجلة من أمرهم .
بهذا المشهد اليومي يبدأ نهاري مع رفيقة قهوتي الصباحية ، فيطيب لي أن أستهله مع جارتي الأقرب مني إليّ حتى من أهلي ، “جامعة بيروت العربية “التي لا تفصلني عنها إلا بضع خطوات ، يؤلمني صمتها المطبق بعدما كانت تنبض بالحياة ، تراني أخاطبها صباح كل يوم لأبعث اليها باقة من رسائل الإطمئنان المحملة بالسلامات المرسلة الي عبر الهاتف من أهل الدار، بحكم صداقتي مع معظمهم ، فأخبرها بأنهم يكملون الرسالة ولكن من منازلهم وعن بعد ، أطمئنها عنهم بقدر معرفتي بهم : “سيعودون .. رئيساً عمداء وأكاديميون ، مدراء وأساتذة ، طلاب وعاملون “.
قد أكون اليوم الجار الوسيط بين هذا الصرح من جهة و بين من هجروه مرغمين من جهة ثانية ليحموا أنفسهم ووطنهم وجامعتهم ، ولكنهم يتابعون علومهم عن بعد من منازلهم .
هي جامعة بيروت العربية ، هذا الصرح العريق الذي جاورته وجاورني لعقود عدة أخالها تنتظرني كل صباح لتسألني عنكم طلاباً وأساتذة جميعاً ، تقرأني من بعيد ، تواسيني مع اليمامات المتنقلة بين شرفتي وبين نوافذ مكاتبها في مشهدية تدعوني يوماً بعد يوم للتنبه بأن البيوت فرحة بأصحابها الذين استذكروها اليوم ، مشعة بإنارتها .
جارتي “بيروت العربية” يوجعني صمتك وسكونك الذي أرى فيه صمت صروح لبنان والعالم التعليمية ومدارسها كافة ، وأحس هذه المرّة وعن قرب بمعنى شوق الأماكن لأصحابها .
ومع الوجع هذا فخورة أنا بجارتي ، وصرت واليمامات ننقل اليها سلام الأحبة ،نطمئنها بأنهم يعملون جاهدين لرفع إسمها دائماً أساتذة وطلاباً من منازلهم وأينما حلّوا وانتقلوا .
ولعل ما يواسيني في وحدتي ، تطبيقها للحجرالصحي المنزلي الصارم لأحبتها ، و يناديني بلهفة موعد فنجان قهوتي اليومي معها فالجار للجار مهما جار علينا فيروس كورونا بوحشيته .
إكرم صعب
[email protected]
عندما “يموت اللبنانيون على قيد الحياة “!
عشنا الحرب الأهلية اللبنانية بكل تفاصيلها وقسوتها وإختبرنا مع أهلنا الحياة في الملاجئ تحت الأرض وعلى أدراج المباني احتماء من القصف والموت نشأت كغيري من أبناء جيلي في عز الحرب الأهلية وتركت آثارها في النفس من أثر المعارك والقصف ندوباً نفسية قاسية يصعب أن تندمل . منذ أن اخترت الصحافة مهنة ، بتّ أعرف أكثر
Read More