حين أيقظني رنين “نوتيفيكيشن الواتساب ” فجر هذا اليوم كان يحمل إلي خبر وفاة زميلة عزيزة علينا أخبرتني به زميلتنا المشتركة عناية ، تاركة لي هذه العبارة ” إكرام آسفة لخبر هذا الصباح ولكن سحر طه في ذمة الله” . كنت في شبعا راقدة في سرير يطل على مرتفعات جبل الشيخ ، وكان نور الشمس يشع من خلفه ، بداية شعرت بثقل في مخيلتي ، وكأنها كانت قد استفاقت قبلي وما هي إلا لحظات حتى بدأت أرى الشمس تسطع بنورها أكثر فأكثر ، لتأخذني معها الى مكتبي في مبنى جريدة ” المستقبل” في الرملة البيضاء قبل سنوات ، وتحديداَ الى عام 2003 يوم احتسيت قهوتي ذات صباح أنا و سحر في المكتب المطل على البحر ، وبينما كنت أجلس على كرسي المكتب إستلقت هي على الصوفا الجلدية البنية التي كنا نستريح عليها كلما شعرنا بإرهاق في العمل ، قلت لها ” ما بك ؟ ” فابتسمت مداعبة شعرها الطويل قائلة “اليوم أخبرني الطبيب بأنني مصابة بالسرطان “.
إستوقفتها متفاجئة فقاطعتني قائلة ” لا تقلقي اليوم كل شيء تطور يا عزيزتي لما هذا الخوف ؟ أنا سأكمل مسيرتي وكأن شيئا لم يكن “.
يومها واخذت نفسي كيف بدا علي الرعب من خبر كهذا أمام سحر ، وعدت الى البيت وأنا افكر فيها . وكنت كل يوم أمر لأصبح عليها في مكتبها كانت عزيمتي تقوى لجرأتها وإيمانها .
كانت سحر الصحافية كاتبة في القسم الثقافي ، وأكثر من مرة إجتمعنا في الخبر نفسه لأسباب مهنية ، ومنها إفتتاح مهرجانات بعلبك وغيرها من المناسبات التي كانت تأخذ منها الوجه الثقافي والأدبي من الخبر ، بينما أكمل أنا الوجه الإجتماعي منه .
سحر الرقيقة والراقية في آن معا ، كانت تنعم بزوج وزميل ورفيق ، لم يبتعد عنها يوما ، فالزميل سعيد طه البيروتي الأصيل الذي أحبته سحر البغدادية فأحبت بيروت لأجله ، كان الوفي الذي ينتظر حبيبته المريضة في مرآب الجريدة ، كي يقود سيارتها ليقلها الى الغداء يوميا وبالأمس فاجأنا سعيد بصور عيد ميلاد سحر ، وكأنه كان يخبرنا من وراء المحيط بأن سحر سترحل “وودوعوها يا رفاق”.
والليلة يا سحر وأنا أقود سيارتي من شبعا الى بيروت ، كانت مهرجانات بعلبك تحيي لياليها وكانت الزميلة شهير إدريس تتلو من خلف المذياع خبر وفاتك في تقرير أبدعت فيه جعلني أتوه في الطريق ، إلا أن أكثر ما آلمني أن أخبار الجريدة الليلة ستكتب عن رحيلك أكثر مما ستكتب عن مهرجانات بعلبك.
سحر إفترقنا من مكاتب ” المستقبل” بغصة حتى دون وداع ، ف “المستقبل” ومكاتبها التي جمعتنا في عالم الصحافة ، هي نفسها التي أبعدتنا من دون وداع !
لترحلي بسلام يا سحر .. يا إبنة بغداد وعروس بيروت ، ستبقين معنا زميلة وفنانة راقية عرفتنا على أصالة بلادها . وسيبقى الزميل سعيد طه رمزاً لرقي الرجال الرجال ، وله منا خالص العزاء بهذا المصاب الأليم .
إكرام صعب
[email protected]
شو بخبرك عن بيت من لبنان !
يقول الفنان وديع الصافي في رائعة من أجمل أغانيه ” بيتي ما برضى يسيب بيتي أنا سلاحو .. ما بتركو للديب ولا بعير مفتاحو” من المؤسف القول أن بيوت العديد من اللبنانيين اليوم “تركت للديب” وضاعت مفاتيحها … وما أدراك ماذا فعل بها ” الديب” ؟ يعرف البيت اللبناني الأصيل ليس من حجارته المقصوبة فحسب
Read More