هناك حيث قالوا يوما عن المنطقة وكتبوا عنها في الصحف على أنها “خط التماس ” ، هناك وجدت ما أبحث عنه في داخلي دون أن أدري ! وهناك رسمت خطوطا على ورقة بيضاء لفت بها “منقوشة الصعتر” لأخطها اليوم خربشات .
في أحد شوارع بيروت الذي كان يقسم بيروت الى بيروتين ، مكان ينقلك في موسم “المونديال الكروي وأعلامه” الى عالم آخر وأعلام آخرى ملونة بلون ثلج لبنان مزينة بالأرزة ، مزنرة باللون الأحمر ، هناك في محيط المستشفى العسكري المركزي في منطقة بدارو – المتحف في العاصمة بيروت ، لم يكن صباح يوم الإثنين الماضي شبيها بصباح أي مكان آخر من لبنان ، وعلى الرغم من الهموم التي كانت ترخي بثقلها على كاهلي ، وبينما كنت أعيش لحظات إنتظار ثقيلة لخروج طبيب القلب من غرفة العناية الفائقة ليثلج قلبي بخبر مفرح عن حال والدي ، كنت أعيش المكان بتفاصيله وأحاسيسه ، وجمال ذكريات طفولتي وأنا بين ذراعي أبي ، وهو ينشد لي النشيد الوطني كلما حملني من طرابلس الى بيروت لأزور طبيب الأسنان في المستشفى العسكري.
هناك كان لصباح الأثنين طعم غير باقي الصباحات ، فقد تأخر الطبيب- العقيد ربع ساعة من الزمن وارتفعت موسيقى الجيش ، وصدح الجميع بنشيد الوطن ، إنها تحية بداية الأسبوع في المستشفى العسكري المركزي في بيروت ” تحية العلم اللبناني “.
على الرغم من إنشغال جمهور ال”فوتبول” خارج حرم المستشفى العسكري برفع رايات الدول العربية والأجنبية الملونة بأشكال وألوان ، ثمة مساحة هناك تتوسط شوارع بيروت بشرقها وغربها ، يعزف فيها نشيد الوطن صباح كل أثنين ، ليعود بي الزمن الى صف المدرسة ، ومديرة مدرستي التي كانت تفتتح الأسبوع كل إثنين هي أيضا بعبارة “تراصفوا” وهيا إلى النشيد الوطني ..!
أي حنان هذا الذي حرك مشاعري وسط هذا الضجيج الرياضي ، وضجيج الأعلام والرايات ؟ وأية ذكرى جميلة رغم ما كان ينتابني من وجع وخوف من طبيب الأسنان ، وأزيز صوت “الخر.. بر” ورعب إبرة البنج في طوابق المستشفى العسكري ، إستطاع أن يعيدني الى عالم كنت أخال نفسي أنني بعيدة عنه ، لأجده – وفي برهة من الزمن – على مقربة مني مسافة خطوتين ليس أكثر ..النشيد الوطني .. رفع العلم عاليا في سماء بيروت..وتحية الصباح الممزوجة برائحة منقوشة الصعتر في مقهى المستشفى ، والأهم من ذلك كله صوت العقيد الطبيب بعد عودته من تحية العلم ،لذي بث في قلبي الإطمئنان عن قلب والدي الغالي ، الذي استطاع وبجدارة أن يغرس في قلبي حب لبنان وحب نشيده الوطني.
بقلم رئيسة التحرير إكرام صعب #خرب_شات
[email protected]
عندما “يموت اللبنانيون على قيد الحياة “!
عشنا الحرب الأهلية اللبنانية بكل تفاصيلها وقسوتها وإختبرنا مع أهلنا الحياة في الملاجئ تحت الأرض وعلى أدراج المباني احتماء من القصف والموت نشأت كغيري من أبناء جيلي في عز الحرب الأهلية وتركت آثارها في النفس من أثر المعارك والقصف ندوباً نفسية قاسية يصعب أن تندمل . منذ أن اخترت الصحافة مهنة ، بتّ أعرف أكثر
Read More