النادي الثقافي العربي يحيي الذكرى العشرين للإستشهاد تحت عنوان “رفيق الحريري ومشهد 2025 “

إحياءً للذكرى العشرين لإستشهاد الرئيس رفيق الحريري، عقد “النادي الثقافي العربي”، وللسنة الثالثة على التوالي، ندوة بدعوة من رئيسته السيدة سلوى السنيورة بعاصيري، تحت عنوان “رفيق الحريري ومشهد 2025”، في فندق الريفيرا – بيروت.
حاضر في الندوة كلٌّ من مدير عام معهد العالم العربي في باريس الشاعر شوقي عبد الأمير، والسفير المغربي السابق لدى لبنان علي أومليل، والنائب السابق باسم الشاب، والأستاذ الجامعي الدكتور محمد علي مقلد، وأدارتها رئيسة النادي السنيورة بعاصيري.
الحضور


حضر الندوة نائب رئيس مجلس الوزراء طارق متري ممثلا رئيس الحكومة نواف سلام ، والرئيس فؤاد السنيورة، والوزير السابق رشيد درباس ممثلًا الرئيس نجيب ميقاتي ، والنائب السابق الدكتور محمد الحجار ممثلًا الرئيس سعد الحريري، والوزير السابق محمد المشنوق ممثلا الرئيس تمام سلام ، إضافة إلى الوزراء الحاليين غسان سلامة وعامر البساط، والسيدة فاتن أبو الحسن ممثلة وزير الداخلية أحمد الحجار .
وتقدم الحضور سفير المملكة العربية السعودية وليد بخاري، وعدد من الوزراء والنواب السابقين، ومستشار الرئيس الحريري الدكتور داوود الصايغ، إلى جانب فاعليات سياسية وثقافية وإعلامية ، ورؤساء مؤسسات أكاديمية وثقافية .
السنيورة بعاصيري
بعد النشيد الوطني والوقوف دقيقة صمت لروح الرئيس الشهيد رفيق الحريري، رحبت السنيورة بعاصيري بالحضور والمحاضرين، وألقت كلمة قالت فيها:
“كم هو مصدر اعتزاز للنادي الثقافي العربي، وهو يطوي ثمانين عامًا من عطائه الفكري والمعرفي والثقافي، أن يكون اليوم، كعادته، منبرًا رحبًا مستنيرًا لكوكبة من المفكرين والمثقفين، يشاركون جمهور النادي وأحباءه الرأي والرؤية بشأن جديد الأحداث والتطورات. نحن في خضم مشهد استثنائي أطلّ علينا مع نهايات عام 2024 وبدايات عام 2025، حاملًا متغيرات عميقة تعكس حقائق جديدة وسط سياقات محلية وإقليمية ودولية تعيد ترتيب الأولويات والانشغالات. فإذا بكل ما في هذا المشهد يؤشر إلى افتراق عن مرحلة ممتدة عمّقت الشدائد والمحن، وحفرت عميقًا في نفق الفرقة والتباعد، حاصدةً الموت والدمار. إنه مشهدٌ تنبئ ملامحه بانتهاج مسارٍ يرنو إلى الغد، وكم نأمل أن يكون أفضل.”

وأضافت: “هو مشهد يشكّل بحقّ أعمق تغيير سياسي واجتماعي منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري قبل عقدين من الزمن ، يومها استودع رفيق الحريري هذا البلد الحبيب لبنان وشعبه الطيب لله عزّ وجل، متيقّنًا أن هذا الوطن الذي افتداه بدمه سيبقى، بعون الله، عصيًا على المصادرة والاستباحة، وقادرًا على استعادة قراره الحر وألقه وتميّزه. فاستجابت العزّة الإلهية لمناجاته، ولو بعد حين.”
وأردفت السنيورة بعاصيري: “لم يبالغ رفيق الحريري يومها في طموحاته واندفاعاته، كما لم يبالغ في تقديراته وتمنياته بشأن ازدهار لبنان وتقدّمه. فهو حين حلم بلبنان الرسالة والدور، لم يكن إلا مستندًا إلى تاريخه الحضاري وانفتاحه وتنوعه، ومدركًا لواقع لبنان القائم على الإبداع والفرص والإمكانات. لم يتجاوز رفيق الحريري في رؤاه وتطلعاته حدود المنطق والأعراف، إذ ارتكزت مواقفه وسياساته على مقومات الدول الحديثة ومستلزماتها، من سيادة ناجزة، ومواطنة جامعة، وحكم رشيد، وفصل للسلطات، وانتظام الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحت سقف الدستور وآلياته. كذلك، لم يكن إلا ملتزمًا بوثيقة اتفاق الطائف وحسن استكمال تطبيقها، وهي الوثيقة التي وضعت حدًا لدورات العنف والاقتتال، وعمل الحريري جاهدًا لجعلها مرجعية ميثاقية وقانونية.”


وتابعت: “إنه مشهد تتكشف عناصره في حراك متسارع، يظهر ملامح وطن كان رفيق الحريري يطمح إلى إرسائه، ولو بانعطافات متدرجة، فإذا به اليوم يهبّ عصفًا جارفًا في محيط لبنان وداخله، مطيحًا بمعالم حقبة مظلمة مريرة أفرزت المأساة تلو الأخرى، وجعلت اللبنانيين ضحايا التاريخ والجغرافيا والأحداث. لكن، هذا المشهد كان محتومًا، لأن قدر اللبنانيين أن ينهضوا، تمامًا كما نهضوا سابقًا حين استحثهم رفيق الحريري على التقاط الفرص التي أتاحتها المتغيرات آنذاك، لإعادة البناء بما ينسجم مع مسارات التنمية الوطنية والتعاون الإقليمي والدولي.”
وختمت: “إنه مشهد لم يكن له إلا أن يكون، لأن قدر اللبنانيين أن يتماهوا، بوعي وبصيرة، مع العنوان السياسي للمرحلة الجديدة، القائم على مرجعية الدولة دون سواها، مستلهمين خريطة الطريق التي وردت في خطاب القسم لفخامة الرئيس جوزيف عون وخطاب التكليف لدولة الرئيس نواف سلام. كما أن قدر اللبنانيين أن يؤكدوا يقينهم بوحدتهم في تنوعهم الخلّاق، وإيمانهم الثابت بنهائية لبنان وطنًا عربيًا سيدًا، حاضنًا لكل أبنائه دون تفرقة أو تمييز، تمامًا كما قال رفيق الحريري: ‘لا أحد أكبر من وطنه فمشهد 2025 متعدد الأوجه والأبعاد، كما الفرص والتحديات، يعرض له ضيوفنا الأكارم، مستذكرين في تحليل عناصره مسيرة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، رؤيةً ورسالةً وأدوارا.”
الأمير
تحدث مدير عام معهد العالم العربي في باريس، الشاعر شوقي عبد الأمير، عبر تطبيق “زوم”، قائلاً: “كان يوم استشهاد رفيق الحريري جريمة تجاوز وقعها لبنان إلى العالم العربي والغربي.”
واستذكر لقاءه بالرئيس الحريري، مشيدًا بدوره في جعل بيروت تحتضن مشروع “كتاب في جريدة” لمدة 17 عامًا. وأضاف: “طرحت عليه الفكرة فتبناها فورًا بحماسة، وسارع إلى التنسيق مع وزير الثقافة ميشال إده لإنجاز المشروع بالتعاون مع اليونسكو.”

أومليل

تحدث السفير المغربي السابق لدى لبنان، علي أومليل، عن التحديات التي واجهها لبنان، منوهًا بدور الشعب اللبناني في الحضارة العالمية. وقال: “لا أرى مبررًا للخضوع للذل والانكسار، فالانشغال بالصراعات الداخلية أدى إلى تراجعنا.”
وأكد ضرورة البحث عن حلول حقيقية للأزمات الاقتصادية والسياسية، مشددًا على أهمية مكافحة الفساد، وتحفيز الاقتصاد عبر إصلاحات جذرية ترفع من مستوى المعيشة وتحدّ من البطالة.
وأضاف: “التغيير يجب أن يبدأ من الداخل قبل التوجه إلى الخارج لاستعادة الاستقرار.”
وأشار أومليل إلى فشل النظام السياسي في إدارة البلاد بسبب الصراعات الطائفية، مؤكدًا ضرورة إعادة هيكلة الاقتصاد ودعم الشركات الصغيرة، مع التركيز على القطاعات الإنتاجية كالصناعات الغذائية والتكنولوجيا لضمان التنمية المستدامة.
كما عرض لتأثير النفوذ الإيراني والإسرائيلي على لبنان، والصراع العربي الإسرائيلي، لافتًا إلى أن مرحلة رفيق الحريري رسّخت مفهوم الحياة الكريمة.
وختم بالقول: “العالم يراقب الوضع اللبناني، والإصلاح يجب أن ينهي معاناة اللبنانيين، ليعود لبنان إلى قوته الحقيقية بعيدًا عن الطائفية.”
الشاب
وتحدث النائب السابق الطبيب باسم الشاب قائلًا: “عشرون عامًا مرت على استشهاد الرئيس رفيق الحريري، وليس الكلام اليوم كالكلام بعد عشرين يومًا أو شهرًا. فبعد عقدين، تصغر الصغائر، ويبهت النقد الذي لا تلحظه فلسفة التاريخ، بينما تعلو النظرة التاريخية فوق الاعتبارات السياسية الضيقة.”
وأضاف: “لم يكن الحريري مجرد رئيس حكومة، بل كان شخصية تاريخية صاغت تاريخ لبنان الحديث، فإعادة إعمار بيروت كانت مشروعًا بحجم سقوط جدار برلين، إذ وحّد المدينة بعد الحرب. كان الحريري عنوانًا للاعتدال والحداثة، ساعيًا إلى مستقبل يواكب تطورات العصر، وليس مأسورًا بحنين إلى الماضي.”
وتابع: “نسمع اليوم دعوات للعودة إلى نهج الحريري، لكنني واثق بأنه لو كان معنا، لكان تبنّى نهجًا جديدًا متكيّفًا مع المتغيرات السريعة في السياسة والتكنولوجيا. فقد كانت حقبته مرحلة نهضة وسط ضغوط داخلية وخارجية، من الاحتلال الإسرائيلي إلى النفوذ السوري.”
وأشار الشاب إلى أن “الحريري ربط لبنان بالعالم، وفتح أبواب الغرب للمسلمين وأبواب الشرق للمسيحيين، محققًا تحولًا أساسيًا في المجتمع اللبناني، مخالفًا نظرية صراع الحضارات.”
مقلد
اختتمت الندوة بكلمة للأكاديمي الدكتور محمد علي مقلد، حيث قال:
“مشهد 2025 مليء بالمفاجآت. صمد الشعب الفلسطيني في غزة المدمرة، تحولت قرى جنوب لبنان إلى ركام، فرّ بشار الأسد، وخُتم بالشمع الأحمر على باب الاستبداد البعثي. انتهت حكاية الأنظمة التقدمية والجمهوريات الوراثية، وطُويت صفحة التحرر الوطني في المشرق. في المقابل، بدأت نسخة جديدة من النهضة والحداثة في الخليج بقيادة الأمير محمد بن سلمان، وبدأت مرحلة جديدة في لبنان بتسليم القصر الجمهوري للرئيس جوزف عون، وتشكيل حكومة برئاسة القاضي نواف سلام لإنقاذ البلاد من جحيم العهد البائد.”
وأضاف: “منذ البداية، دعمنا قضية فلسطين، وكنا مع حماس لو أنها قدّمت بطولات ثوارها للشعب وتخلّت عن السلطة في غزة لأجل الدولة في فلسطين، لكنها لم تفعل. وقلنا لحزب الله، أياً تكن نتيجة المعركة، سنحتفل معك بالإنتصار، شرط أن تهديه للشعب وتسلّم السلاح للدولة، لكنه لم يفعل أيضاً. التحرير أربكه، فتحوّل إلى اشتباك داخلي حول مستقبل سلاحه، تماماً كما حصل بعد اتفاق القاهرة.”
وتابع: “رفيق الحريري فضح الممانعة التي رأت تعارضاً بين مقاومة الإستعمار الصهيوني والانخراط في الحضارة الحديثة، فاغتالوه ليغتالوا الجمهورية الثانية. لكن ها هي الأنظمة تسقط، والأحزاب تنهار، والقتلة يعاقَبون بالموت أو الهروب. آن للبنانيين أن يستلهموا من سيرته مشروعاً لبناء الجمهورية الثالثة، والاحتفال بالاستقلال الخامس والأخير عن إيران، إذ لم تعد هناك قوة قادرة على إشعال حرب أهلية.”
وأكد مقلد أن الحريري” لم يكن مجرد رئيس حكومة، بل كان حكومة بحد ذاتها، وصاحب رؤية وخطة للإستثمار في العلم، مستلهماً مشروع كميل شمعون. غير أن مشروعه، كما الشهابية، سقط بفعل الميليشيات، التي شاركته مجلس الوزراء وأجهضت أي محاولة لإعادة بناء الدولة.
وتطرق إلى جمهور 14 آذار، الذي اعتبره الحارس الأمين على إرث الحريري، لكنه رأى أن قياداته أخطأت حين حولت ثورته إلى انتفاضة ضد “الاحتلال”، بدلاً من التركيز على بناء الدولة. ورغم اعتراف سعد الحريري بمسؤوليته واستقالته تجاوباً مع الثورة، فإن الفرص لاستكمال مشروع الشهيد تضاءلت بسبب الانقسامات الداخلية والحصار العربي والعائلي عليه.”
وختم مقلد قائلاً: “دخل رفيق الحريري السياسة كرئيس حكومة وفياً لانتمائه العربي، في وقت كانت الأحزاب تتهاوى في أزماتها. اختار أن ينحاز للدولة في مواجهة الميليشيات والتدخلات الخارجية، متخلياً عن موقعه الطبقي لينخرط في كتلة وطنية عابرة للطوائف، تؤجل كل المشاريع الخاصة إلى ما بعد قيام دولة القانون والمؤسسات. هذه الدولة لا يبنيها اليسار أو اليمين وحدهما، بل المتحدرون من يسار علماني ويمين متنور، الحريصون على بناء وطن حر ودولة سيدة.”
مداخلات
وفي نهاية الندوة كانت مداخلات للوزير السابق درباس قال فيها ” في بعض الأحيان يغبط الأحياء موتاهملأنهم رحلوا قبل أن يروا ما نراه. لو كان رفيق الحريري حياً لكان قد رأى أن أراضي العرب تعتبر عقارات يجب إخلاؤها من سكانها لكي تصبح منتجات لأحلام ترامبوجنون نتنياهو. لو كان حياً لكان يقود الآن أوسع حملةشعبية وديبلوماسية في جميع أنحاء العالم، ولحثالأمة العربية من أقصاها إلى أقصاها على النهوض .”
ثم قال النائب السابق محمد الحجار في مداخلة له وشهادة ” معرفتي بالشهيد رفيق الحريري تعود الى مرحلة إعادة إعمار بيروت من جديد بعد الدمار الهائل الذي لحق بها من جراء الحرب الأهلية حينما قال لي لا يهم كم يكلفنا إعادة إعمار عاصمتنا ، المهم أن نعيدها الى الحياة بأسرع وقت ومهما كان الثمن “.

[email protected]

لمشاركة الرابط: