أعيان المعاني – ماء الكلام ما بين اللحد والإلحاد (10) والأخيرة

ذكر الشافعيّ أن على الخاصّة التي تقوم بكفاية العامّة فيما يحتاجون إليه لدينهم الاجتهاد في تعلّم لسان العرب ولغاتها، التي بها تمام التوصّل إلى معرفة ما في الكتاب… والآثار وأقاويل المفسّرين… من الألفاظ الغربيّة والمخاطبات العربية، فإنّ من جهل لسان العرب وكثرة ألفاظها، وافتنانها في مذاهبها جهل جمل علم الكتاب، ومن علمها ووقف على مذاهبها وفهم ما تأوّله أهل التفسير فيها، زالت عنه الشُّبَه الداخلة على مَن جهل لسانها من ذوي الأهواء والبدع.
اللغة العربيّة ليست مجرّد لغة للتواصل، بل هي أسلوب حياة ومَن لا يعرفها من أبنائها فكأنّه فقد الحياة وأُلحِد في جدثٍ – قبر – واللحد هو الميل أو الإمالة عن استقامة، فيُقال لحد الميت أي أماله على جنبه. ومن هذا قولُنا “الملتَحَد” أي الملجأ وسُمِّي كذلك لأنّ اللاجئ يلتحد إليه أو به ويميل إليه. وقد ورد في القرآن الكريم ﴿قل إني لن يجيرني من الله أحدٌ ولن أجد من دونه ملتحدًا﴾ (الجنّ، 22)، ﴿لا مبدّل لكلماته ولن تجدَ من دونه ملتحدًا﴾ (الكهف، 27)، ﴿ولقد نعلم أنّهم يقولون إنّما يُعلّمه بشرٌ لسان الذي يُلحِدون إليه أعجميّ وهذا لسان عربيّ مبين﴾ (النّحل، 103).
أمّا الإلحاد – الذي يُعرَف اصطلاحًا بعدم الاعتراف بالخالق – فمعناه في اللغة الانحراف والميل عن القصد، فقد قيل “ألحد في الحُرُم، إذا ترك القصد في ما أُمِر به ومال إلى الظلم”. وقد ورد في القرآن الكريم أيضًا ﴿إنّ الذين يُلحِدون في آياتنا لا يخفَوْن علينا﴾ (فُصِّلَت، 40)، ﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يُلحِدون في أسمائه﴾ (الأعراف، 180). والمقصود في الآية الأولى هو تصريف الآيات وتحريف حقائقها والميل عنها وتأويلها بما تهوى أنفسهم. أمّا المقصود في الآية الثانية فهو التصرّف في معاني الأسماء وتفسيرها وفق ما تسوّل لهم أنفسهم بأفكارهم المعوجّة والانحراف عن حقيقتها.
لذا، يجب علينا ألّا نلحد لغتنا وألا ننزلها من مقامها الرفيع معنًى ولفظًا وكتابةً، بل يجب علينا أن نحترم هذه اللغة العظيمة وأن نتقنها ونجيدها كي نستحقّها وكي لا نلتحد إلى غيرها من اللغات الأخرى.
الوليد

لمشاركة الرابط: