صيدا تتوهّج فنًّا: غسان صليبا يفتتح مهرجاناتها الدولية على وقع البحر والتاريخ

إكرام صعب _nextlb
عندما يلتقي الجمال بالموسيقى، والتاريخ بالفن، تولد ليلة كـ تلك التي عاشتها صيدا على واجهتها البحرية، حين استعادت المدينة الجنوبية العريقة ألقها الفني عبر حفل افتتاح مهرجاناتها الدولية. كانت المدينة تتنفّس فنّاً وتراثاً، والبحر يعانق المسرح العائم على مرفئها القديم، فيما تتكئ قلعتها الأثرية على ضوء القمر لتشهد من جديد على لحظة فنية ساحرة.
أمسية لبنانية بإمتياز، تحوّلت صيدا إلى لؤلؤة تتلألأ في قلب الجنوب، وعاد نبضها الثقافي يخفق من جديد بعد غياب عن الخريطة الفنية. وقف الفنان غسان صليبا أمام جمهور غفير، البحر أمامه وقلعة صيدا خلفه، ووراءهما إرث مدينة من أقدم مدن العالم، تُطلّ بفخر على البحر المتوسط.


رحبت اللجنة المنظمة بالحضور بعد النشيد الوطني ثم رحبت رئيسة المعهد الموسيقي العالي الكونسرفاتوار في لبنان د هبة قواس بالحضور معربة عن فخرها وسعادتها بإقامة المهرجان في بحر مدينتها صيدا
في الخلفية، زوارق الصيادين التي طالما شكلت جزءاً من هوية شاطئ المدينة، راحت تتمايل في عرض البحر، كأنها تشارك في المشهد الغنائي، بينما الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق-عربية بقيادة المايسترو أندريه الحاج كانت تنسج أمواجاً من الألحان على المسرح.
بدأ الحفل بتحية موسيقية مميزة، حملت لمسة وفاء لروح الراحل زياد الرحباني من خلال معزوفة من مسرحيته الشهيرة «نزل السرور». ومن بعدها، راحت المقطوعات الرحبانية تتوالى، ترافقها إيقاعات الدبكة التي أعادت للأذهان زمن الفن اللبناني الأصيل.


المكان الذي احتضن السهرة هو في ذاته جزء من الذاكرة الحيّة للمدينة، إذ أقيم الحفل في منطقة المرفأ القديم، وجاءت قلعة صيدا الأثرية، وجزيرة الزيرة، والخليج البحري بأكمله، لتكون خلفية طبيعية آخاذة، طغت بجمالها على كل عناصر المشهد.
حضر الافتتاح رئيس مجلس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة وشخصيات صيداوية ونواب
ومع أولى إطلالاته، حيّا غسان صليبا الجمهور، وتوجّه بتحية خاصة إلى السيدة الأولى نعمت عون، التي حضرت الحفل وجلست بين الناس في المقاعد الخلفية، وإلى عقيلة رئيس الوزراء نواف سلام. لم تمنع حرارة الطقس المرتفعة ورطوبة الصيف العالية من تفاعل الجمهور، ولا من تألق صليبا والمايسترو الحاج، اللذين نجحا في إشعال الأجواء، حتى راح الجمهور يردّد الأغاني ويرقص مع الألحان.
تنوّعت فقرات الحفل بين الغناء والموسيقى والرقص، فغنى صليبا بصوته الجهوري مقطوعات شهيرة، منها «هيلا يا واسع» و«طريق النحل»، فيما أنشد الحاضرون معه الكلمات بحرارة. وترافقت الموسيقى مع عروض بحرية لمراكب تزيّنت بالأعلام اللبنانية، جالت في عرض البحر، مضيفة لمسة وطنية على المشهدية.
أما الديكور الطبيعي، فقد شكّل لوحة فنية بحد ذاته، إذ بدا المسرح وكأنه عائم بين البحر والقلعة والضوء. هذا التماهي بين الفن والمكان هو ما يميز المهرجانات اللبنانية، حيث يفرض كل موقع هويته الخاصة على الحدث.
أهمية مهرجانات صيدا هذا العام تكمن أيضاً في عودتها بثوبها الكامل، بعد غياب طويل. فبعد نسخة خجولة عام 2023 أحياها الفنان غي مانوكيان، عادت المهرجانات بحلة قوية، رافعة شعار «راجعين بلحن كبير»، وبدعم من وزارتي الثقافة والسياحة، لتُطلق دورتها السادسة بحفل استثنائي بكل تفاصيله.
السيدة الأولى، التي ظهرت بغاية التفاعل، ردّدت أغاني صليبا، لا سيما «يا حلوة شعرك داريه»، و«وطني بيعرفني»، و«زيّنوا الساحة»، وبدت متأثرة بشكل خاص بأغنية «الله معك يا بيت صامد بالجنوب» لوديع الصافي، لما تحمله من رمزية خاصة، خصوصاً أن الرئيس جوزيف عون ينحدر من بلدة العيشية الجنوبية.


وغنّى صليبا في تحية خاصة للراحل الصافي مجموعة من أشهر أعماله مثل «على رمش عيونها» و«بترحلك مشوار»، كما قدّم مقتطفات من الفولكلور اللبناني بمرافقة فرقة «هياكل بعلبك» للدبكة، التي أضافت على السهرة نكهة تراثية. وبلغ الحماس مداه حين شارك بعض الحضور في الدبكة، ورافقوا صليبا في أدائه للميجانا والعتابا والموّال اللبناني الذي أهداه لأهل صيدا بمحبة كبيرة.
وفي عرض موسيقي متكامل، قادت الأوركسترا سلسلة من المعزوفات المميزة منها «قتلوني عيونا السود»، «من وادي لوادي»، «يا مية هلا» و«قديش كان في ناس»، قبل أن يعود صليبا ليؤدي باقة من أغانيه الرحبانية، مثل «يا مهايرة العلالي»، و«غريبين وليل»، و«شو هم القمر لو غاب».
على مدى 80 دقيقة، سافر الحضور في رحلة موسيقية ووطنية، ختمها صليبا بأغانٍ وطنية مثل «تعلا وتتعمّر يا دار» و«لمعت أبواق الثورة»، وسط تصفيق حار وشعور بالفخر.
في نهاية الحفل، توجّه صليبا بالشكر إلى رئيسة الكونسرفاتوار اللبناني، هبة قواس، والمايسترو أندريه الحاج، على مساهمتهما في إنجاح السهرة من خلال مشاركة الأوركسترا الوطنية للموسيقى الشرق عربية وكورال الكونسرفاتوار، اللذين أضفيا مزيدًا من الألق والاحتراف على الأمسية.
تستمر «مهرجانات صيدا الدولية» حتى 9 أغسطس (آب)، حيث تحيي الفنانة نانسي عجرم سهرة السابع من الشهر، ويُختتم البرنامج بحفل للفنان مارسيل خليفة في التاسع من الشهر نفسه، على أن يبقى صدى هذه الأمسية الافتتاحية يردّد في أرجاء المدينة، بأن صيدا… عادت إلى الفن من بوابة الكبار
[email protected]

لمشاركة الرابط: