لقد مدح ماريو أندرو باي (Mario Andrew Pei) مؤلف كتاب قصّة اللغة (The Story of Language) العربية، واعتبرها اللغة العالمية في حضارات العصور الوسطى، وكانت مصدرًا مهمًّا للغة الإنكليزية في نهضتها وللغات أوروبيّة كثيرة. وقد بلغت المفردات التي اقتبستها هذه اللغات من العربيّة في قاموس Littre الآلاف. وعدد هذه اللغات 27، وهي – بحسب الترتيب – الإسبانية، الفرنسية، الإيطالية، اليونانية، المجرية، الأرمنية والروسية…
من هذا المنطلق، لا يُقصَد بالعربية الهوية أو القومية… بل يُقصَد بها الفصاحة والوضوح والصراحة واللغة الصافية والنقية والخالصة… من هنا، كان القول لمن أردناه أن يتكلّم: “أفصح عمّا في داخلك” – يعني الكشف والوضوح – وقد وردت المفردة “عربي” في القرآن الكريم في غير آية ﴿إنّا أنزلناه قرآنًا عربيًّا لعلّكم تعقلون﴾ (يوسف، 2)، ﴿كتاب فُصِّلت آياته قرآنًا عربيًّا لقوم يعلمون﴾ (فُصِّلَت، 3)، ﴿ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون قرآنًا عربيًّا غير ذي عوج لعلّهم يتقون﴾ (الزمر، 27 و28). إنّ ما نلاحظه في هذه الآيات أنّ هذه الكلمة “عربي” اقترنت بالعلم والعقل وعدم الاعوجاج… الأمر الذي يدلّ على أنّ معناها ليس له علاقة بفكرة الانتماء، بل العكس هو الصحيح بمعنى أن العرب الأوائل سمّوا عربًا لأنّهم كانوا يسكنون الخيم، وحياتهم واضحة ومكشوفة للغير، ولأنّهم لم يختلطوا بغيرهم من الأمم أيضًا، فبقيَ نسلهم خالصًا، صافيًا، نقيًّا.
لذا، تُعتبر اللغة العربية لغة واضحة تبيّن المعاني المقصودة من دون لَبس أو غموض.
أمّا الأعراب فهم الذين يعيشون في البادية وفي الأرياف والجبال – عربًا كانوا أم عجمًا – وقد يعرفون لغة الضاد وينطقون بها، ولكنهم ليسوا ممّن يُتقنون بلاغتها وإيجازها ودقّتها. وقد سُمّوا أعرابًا بسبب الغلظة والشدّة في طباعهم وتصرّفاتهم وحياتهم القاسية وطريقة عيشهم. وهذا الأمر يؤدّي إلى الانغلاق وعدم الانفتاح على الآخرين وإلى التبلّد في التفكير وعدم الفهم ومحدوديّته. وقد ورد ذكر الأعراب – ويجب أن نشير إلى أن ليس الأعراب كلهم محدودين وجاهلين – في القرآن الكريم في أكثر من موضع بهذا المعنى.
من هنا، ليس كل عربي أعرابيًّا، وليس كل أعرابي عربيًّا.
الوليد