الحدث الرياضي الأبرز في الأسبوع الماضي كان المباراة التاريخية التي جرت بين بطل العالم الأميركي السابق في الملاكمة مايك تايسون البالغ من العمر 58 عاماً ، وصانع المحتوى بطل الملاكمة اليافع جيك بول البالغ من العمر 27 عاماً أمام حوالي 70 ألف متفرج في إحدى قاعات الملاكمة الشهيرة في تكساس ، وتابعها ملايين المتفرجين حول العالم.
وفي سجل تايسون المذهل 50 فوزاً منها 44 حسمها بالضربة القاضية، ومني ب6 هزائم فقط ، وكان أصغر ملاكم يفوز باللقب العالمي للوزن الثقيل بعمر 21 عاماً ، في حين حقق خصمه بول 9 انتصارات وخسارة واحدة منذ انتقاله من عالم اليوتيوب إلى الملاكمة.
كان الحدث مؤلفاً من 8 جولات ، فاز تايسون بإثنتين منها بالنقاط في البداية وخسر في الجولات التالية مع تراجع لياقته البدنية بسبب الفارق الكبير في السن الذي يصل الى 30 عاماً ، لأن تايسون «العجوز» يزحف نحو الستين بينما يتمتع خصمه الشاب بلياقة بدنية عالية وهو دون الثلاثين من العمر .
أرجعنا هذا الحدث المحزن بالذاكرة الى مطلع الثمانينيات ففي عام 1980 قرر أسطورة الملاكمة على مر العصور محمد علي – وكان بعمر 38 عاماً – العودة الى الحلبة أمام أحد أهم أبطال العالم في الملاكمة بالوزن الثقيل حينها ، لاري هولمز ، فهزم هذا الأخير الأسطورة محمد علي هزيمة منكرة في لاس فيغاس كانت شبيهة تماماً بهزيمة تايسون أمام بول .
ونشرت إحدى المجلات الرياضية العربية المتخصصة حينها على غلافها صورة محزنة للبطل الأسطورة محمد علي (وكنا على مقاعد الدراسة وتابعنا أخبار النزال ) وكتبت تحتها:
«مافيا المراهنات فرضت النتيجة» و» محمد علي يرفع يديه مستسلماً» واليوم بعد أكثر من 40 عاماً لا زال ذلك العنوان يصلح لهذا النزال غير المتكافىء بين تايسون وبول .
خطأ قاتل أن يغامر الرياضي بتاريخه لينهي حياته الرياضية بطريقة دراماتيكية ، ولو كان المبلغ المستهدف عشرين مليون دولار أو أكثر .
في هذا اللقاء ، كان الرياضي الشاب بول يعرف أن لخصمه تايسون تاريخ عريق في اللعبة ،فهو كان بطلاً للعالم للملاكمة في الوزن الثقيل حين كان بول هذا بعمر بضع سنوات ، وقد استغل هذه النقطة بذكاء عندما انحنى له احتراماً وتقديراً قبل نهاية المباراة بثوان معدودة ، ولكن «يللي صار صار» وما خسره تايسون كان كبيراً ، وهو الذي غالباً ما كان ينهي نزالاته بدقائق معدودة – وبالضربة القاضية – قبل اعتزاله منذ أكثر من عشرين عاماً ، لعل خسارته كانت بضخامة مبلغ ال 20 مليون دولار إذا لم تكن أكبر !.
المفارقة الغريبة أن تايسون في بداياته ، وهو في الرابعة عشرة من عمره ، كان قد وعد محمد علي بالثأر له من هولمز الذي هزمه ، وقد أوفى بوعده بحضور محمد علي وهزم هولمز في عام 1988 ، أي بعد 8 سنوات من هزيمة محمد علي أمام هولمز .
ويبدو أن هذه «النزالات المدفوعة» والمتفق عليها تفرض من قبل أجهزة الدعاية وشبكات البث التلفزيونية العالمية ، وتدعمها مافيا المراهنات .
بعد نهاية المباراة أعلن أن تايسون سينال 20 مليون دولار ، وهو قال صراحة بعدها أنه كان بحاجة ماسة للمال ، مقابل 40 مليوناً للفائز بول ، وكذلك ربما كان محمد علي بحاجة للمال قبل أربعة عقود ونيف ، ولكن هذا الأخير لم يعلن ذلك صراحة عندما قدر لي أن ألتقيه مع فريق إعلامي في فندق السمرلند (منتجع كمبينسكي اليوم) حين زار لبنان في شباط فبراير من عام 1985 في محاولة منه لإطلاق سراح أحد الرهائن الأميركيين الذي كان مختطفاً عند إحدى المجموعات المسلحة في ضاحية بيروت الجنوبية .
هل يأتي يوم يثأر فيه ملاكم صاعد لهزيمة مايك تايسون ؟… ويستمر النزال والجري وراء الشهرة والمال ! من يدري .
المصدر : اللواء – عاطف البعلبكي