لم تكن الروائية الصينية فانغ فانغ تنعم بشهرة عالمية كبيرة قبل أن تكتب يوميات الحجر الذي عاشته في مدينة ووهان، موئل فيروس كوفيد 19 أو كورونا، فاضحةً عبرها بعضاً من أسرار تفشي المرض والملابسات التي رافقت انتشاره السريع والمأساوي. ولكن ما إن أنهت المقطوعة الأخيرة من يومياتها في نهاية مارس (آذار)، بعدما دأبت على نشرها طوال أسابيع على موقعها الإلكتروني، حتى انهالت عليها عروض من دور نشر أميركية وألمانية وفرنسية لترجمتها ونشرها عالمياً. لكنّ هذه العروض ترافقت مع حملة شرسة خاضتها السلطة ضدها وأعضاء في الحزب الحاكم، متهمين إياها بـ “الخيانة” و”خدمة الغرب” و “المتاجرة بالضحايا” و”تقاضي مبالغ مالية”. ووصفت الصحافة الصينية الرسمية ما قامت به فانغ “عاراً” خصوصاً أنها تتلقى المديح في وسائل الإعلام الغربية، ووصفت مذكراتها بأنها “منحازة ولا تكشف سوى الجانب المظلم في ووهان بينما تتجاهل الجهود التي بذلها السكان المحليون والدعم الذي قدمته الدولة”. ولعل أكثر ما أثار حفيظة النظام ما ترويه فانغ على لسان طبيب صيني قال لها: “نحن الأطباء كلنا، كنا نعلم منذ فترة أن هناك تناقلاً للعدوى بين المواطنين، وأعلمنا المسؤولين بالأمر، ولكن لم يحذروا الناس من الخطر”.
وفي أوج احتدام الصراع الآن بين الولايات المتحدة والصين حول تكتم السلطات الصينية على الوباء، ما سبب في انتشاره العالمي المريب، تبرز اليوميات التي كتبتها فانغ فانغ وتعود إلى الواجهة بصفتها خير شهادة مكتوبة بصدق عن تقاعس النظام الصيني إزاء الوباء. ووصفت اليوميات بأنها وثيقة تتضمن معلومات مهمة. وقد تمثل رواية الطبيب حجة واضحة في هذا القبيل.
لم يمض أكثر من أسبوعين حتى ذاع عالمياً اسم الكاتبة الصينية الجريئة فانغ فانغ (اسمها الأصلي وانغ فنغ) ابنة الخمس والستين سنة (مواليد 1955) وخلال أسابيع تصدر تباعاً ثلاث ترجمات ليومياتها، بالإنجليزية (دار هاربر كولينز) والألمانية (دارهوفمان أوند كامب) والفرنسية (دار ستوك). وباشر قراء كثر في العالم بحجز نسخهم عبر أون لاين. أما في الصين، فكان ملايين من القراء تابعوا يوميات فانغ مباشرة عبر موقعها الإلكتروني، مع أن السلطة أوقفت الموقع مراراً ثم عادت عن قرارها خشية من ازدياد عدد القراء بعد المنع. وخاطبت فانغ جهاز الرقابة بجرأة قائلة: “عزيزي رقيب الإنترنت، يجب أن تدع سكان ووهان يتحدثون. إذا لم تسمح لنا بالتعبير عن معاناتنا أو شكاوانا أو تأملاتنا، فهل تريدنا أن نجن؟”. وكان من المقرر أن تنشر طبعات عدة من اليوميات داخل الصين، لكن الناشرين تراجعوا عن قرار النشر خوفاً من العواقب الرسمية. ولم تهب فانغ الحملات التي قامت وتقام ضدها فقالت:”لقد خطت أفضل معركة على الإطلاق”.
بدأت الروائية فانغ تدوين يومياتها في 23 يناير(كانون الثاني)2020 وأنهتها نهاية مارس (آذار)، وهي تضم ستين يومية، تروي أحوال الخوف والغضب والأمل لدى أحد عشر مليون شخص من أهل مدينة ووهان. يوميات تدور أجواؤها بين قسوة الحجر المنزلي ومآسي المستشفيات التي امتلأت بالمصابين وباتت ترفض المزيد منهم، تاركة إياهم لأقدارهم. تروي فانغ تجرتبها الشخصية في الحجر، وتنقل مشاهد الموت الفردي والجماعي وتراكم الجثث في المحارق. ولا تغيب عنها حماسة الناس للتعاون ومساعدة بعضهم بعضاً في مثل هذه الظروف القاسية، وتشير إلى تخلي بعض رجال الدولة عن مسؤولياتهم وتقاعسهم في أداء واجبهم. تكتب فانغ منتقدة السلطة: “كم عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم في ووهان وتدمرت عائلاتهم؟ حتى الآن لم يعلن أحد “أسفه” أو تحمل المسؤولية. رأيت كاتباً يستخدم عبارة “النصر الكامل”. عمّ يتحدثون؛ ما الذي يتحدثون عنه فعلاً؟”.
الروائية الطليعية
غير أن يوميات فانغ فانغ كادت تطغى على صورتها كروائية طليعية، تجمع أعمالها بين نزعتين: الأولى هي الواقعية الجديدة التي أطلت عبرها على شؤون الطبقة البروليتارية وشجونها، وعلى الحياة البائسة التي تعيشها شرائح كبرى من الصينيين، إضافة إلى هموم الطبقة الوسطى التي تضم المثقفين المعارضين والمهمشين. أما الثانية فهي الاستعادة النقدية للتاريخ الصيني بحقائبه المتعددة وصولاً إلى ما قبل الثورة الثقافية التي أعلنها الزعيم ماوتسي تونغ وما بعدها، بل ما تلاها من تحولات ومظالم. ومفهوم استعادة التاريخ هنا يعني طرح الأسئلة الإشكالية والتركيز على القضايا المسكوت عنها. ومعروف أن فانغ فانغ أجبرتها الثورة الثقافية على التوقف عن الدراسة والانخراط في العمل داخل مصنع، إلى أن استعادت دراستها في جامعة ووهان وتخصّصت في الأدب. وفي العام 1982 انطلقت في مسارها الإبداعي ناشرة قصة بعنوان “في الموكب” في إحدى المجلات المعروفة، ثم تلتها روايتها “نحو البعيد”. وراحت من ثم تتوالى رواياتها وقصصها وفازت بجائزة مرموقة هي جائزة لو ياو.
رواية “منظر بهي” بالفرنسية (دار ستوك)
ترجمت بعض من أعمال فانغ فانغ إلى الإنجليزية والفرنسية وفي باريس صدرت لها أربع روايات هي من عيون أبداعها منها: “شمس الغسق”، “جنازة حارة”، “منظر بهي”.
“شمس الغسق”
في رواية “شمس الغسق” تتناول فانغ فانغ واقع الصراع الذي يعيشه أفراد عائلة فقيرة من خلال قصة أم هي جدة في آن واحد، تحيا حياة قهر، ضمن عائلة مؤلفة من ستة أشخاص، في منزل صغير يضيق بهم. تحاول الجدة الانتحار متناولة مبيداً للحشرات، ولا تلبث أن تموت بعد نقلها إلى قسم الطوارئ في المستشفى. تكتشف الأسرة أن رحيل الجدة حل مشكلات كثيرة داخلها، خصوصاً ابنها روهي الخمسيني الذي طالما منعته من أن يتزوج مرة ثانية، ثم رولانغ أصغر الإخوة، وهو شاب خبيث لا رحمة في قلبه، كان يخشى أن تكون كلفة استشفاء الجدة باهظة الثمن. وكذلك الأحفاد الذين لا دور لهم في الأسرة. تتهيأ العائلة لدفن الجدة في ما يشبه الاحتفال برحيلها. ولكن للمصادفة يُبلغ مسؤول في براد المستتشفى حيث توضع الجثث، العائلة بأن خطأ طبياً حصل، فالجدة عادت إليها الحياة واستعاد جسدها نبضه. إنها رواية قائمة على مفارقة رئيسية تتمثل في ثنائية الموت والحياة، وتدمج بين السخرية السوداء والواقعية والمقاربة السوسيولوجية.
“جنازة حارة”
صورة المرأة العجوز لا تغيب أيضاً عن رواية “جنازة حارة” المستوحاة من قصة حقيقية. وهذه الرواية تعدّ من أهم اعمال فانغ وحازت جائزة لو ياو عام 2017. تتطرق الرواية إلى قضية إشكالية تتمثل في الإصلاح الزراعي في الصين بدءاً من العام 1950 وهي الحقبة الأشد ظلامة ووقع فيها ضحايا كثر. ونادراً ما تم التطرق إليها في الأدب الصيني الجديد بسبب الآثار السلبية التي تركتها في حياة الناس. صدرت الرواية العام 2016 عن منشورات “أدب الشعب” الرسمية وعرفت نجاحاً كبيراً، لكنها ما لبثت أن تعرضت إلى هجوم من جهات محافظة في الحزب ومُنعت، وما كان على منعها إلا أن يزيد الإقبال عليها. فهي تمثل وثيقة تاريخية وسياسية واجتماعية مهمة، وتتخطى إطار الإصلاح الزراعي الصيني، مواجهة محاولات النسيان ومنادية بواجب التذكر. دار ستوك
رواية “جنازة حارة” بالفرنسية (دار ستوك)
إنها قصة امرأة وجدت عارية ومجروحة وفي حال من الصدمة، على ضفة ساقية. وبالصدفة يمر عسكريون من هناك وينقلونها إلى المستشفى، وبعدما أُعلن أنها ماتت يتمكن طبيب من إنقاذها وتولي أمرها. ولأنها لا تتذكر شيئاً يطلق عليها اسماً: “ديغ زيتاو”. تمضي السنوات إلى أن يكتشفها ابنها لكنه لا يتعرف فيها على الأم التي كانت. تغيرت الأم ونسيت ماضيها وطفولتها وتحاول أن تتذكر شيئاً فشيئاً. يقول لها الطبيب: “أن ننسى فليس هذا بخيانة، هذا ما يساعد دوماً على العيش”.
الوليد الميت
في رواية “منظر بهي” اختارت فانغ فانغ راوياً ميتاً هو وليد لم يقدّر له العيش، فتوفي في يومه السادس عشر، ودفنه والده في علبة صغيرة تحت النافذة. هذا الابن أو الأخ الثامن، يروي، راقداً في علبته، معاناة عائلته البائسة جداً وكأنه يعيش معها. عائلة من أحد عشر شخصاً يعيشون في تخشيبة تهتز كلما مر القطار من قربها، الأب السكير والقاسي يسيطر عليها. هذا الأب الذي يجيد الضرب أكثر مما يجيد الحب الأبوي، يجبر أولاده على سرقة الفحم لكي يتدفأوا في البرد القارس، وعلى اقتلاع جذور نبتات اللوتس كي يقتاتوا بها. إلا أن الإخوة والأخوات لن يظلوا تحت سيطرة والدهم وبطشه، فهم غداة إعلان الثورة الثقافية يبدأون بالبحث عن مستقبل أفضل. لعل فرادة هذه الرواية التي أثارت حفيظة الكثيرين في الصين حين صدورها عام 1987 تكمن في براءة صوت الطفل أو الطفل الثامن كما يسمى، الذي يعبر عن هموم أسرته ومعاناتها في ظل أب شديد القسوة وعديم الرحمة.
المصدر -انديباندانت عربية
شو بخبرك عن بيت من لبنان !
يقول الفنان وديع الصافي في رائعة من أجمل أغانيه ” بيتي ما برضى يسيب بيتي أنا سلاحو .. ما بتركو للديب ولا بعير مفتاحو” من المؤسف القول أن بيوت العديد من اللبنانيين اليوم “تركت للديب” وضاعت مفاتيحها … وما أدراك ماذا فعل بها ” الديب” ؟ يعرف البيت اللبناني الأصيل ليس من حجارته المقصوبة فحسب
Read More