تمنى وزير الإتصالات بطرس حرب “أن تخرج القوى السياسية من بازار التجارة حول المواقع والوزارات وأن تتذكر أن الوزارات توضع في خدمة الوطن والمجتمع بكامله وليست وسيلة لتحقيق مكاسب انتخابية ورشوة الناس بخدمات تؤمنها بعض هذه الوزارات”.
كلام حرب جاء خلال رعايته مؤتمر Free Connected Mind الذي نظمته مؤسسة مي شدياق في فندق فينيسيا اليوم. وقد استهل كلمته متوجها الى مي شدياق: “مي التي قصد البعض إزالتها من الوجود والتي أصاب التفجير جزءا كبيرا من جسدها وهز كيانها وكياننا كذلك، مي هذه، وجودها بيننا أعجوبة. فوجود مي بيننا هو فعل إيمان بأن الإنسان متى قرر ومتى تمسك بمبادئه يفرض الإحترام على الآخرين، فكيف بنا مع مي التي نحترمها ونحبها. نحييك على مسيرتك، ولم يستطيعوا التأثير عليك لمنعك من مواصلة العطاء، ولأنك جدية ومواظبة في عملك، فها اننا نحتفل للسنة الخامسة بهذا اليوم بدعوة من مؤسسة مي شدياق التي نعتز بها ونفتخر”.
وقال: لسنا آتين اليوم للتحدث فقط عن التغير الكبير الحاصل عالميا في عالم الإتصالات، بل يهمنا إثارة التحديات التي أوجدها، وبقدر ما نشهد ثورة إلكترونية في العالم شبيهة بالثورة الصناعية التي حدثت في القرن التاسع عشر، مع ما تطلبه من تغيير في حياتنا وإمكاناتنا، بالقدر ذاته ينتابنا فرح وخوف في آن. وأقول هذا الكلام وقد كتب لي أن أتولى وزارة الإتصالات منذ ما يقارب السنتين وتسعة أشهر وأتمنى أن تتشكل الحكومة اليوم بالذات لتتسلمها عنا، وتعرفت على عالم كنت أجهل أهميته، وهو عالم جديد يختلف عن العالم الذي تربينا فيه، وأمامنا في هذا العالم تحد جديد علينا مواجهته كل يوم وتوظيفه لخير الإنسانية، لأن العلم متى وظف لضرب الإنسانية والقيم الأخلاقية لا يعود علما بل آلة تدمير”.
أضاف: “لقد صار حقا طبيعيا للكبير والصغير، الغني والفقير، ابن المدينة أو الريف، أن يتواصل بالسعر الذي يسمح له من دون أن نكلفه ونستخدمه كضريبة لتأمين هذه الخدمة للناس. وبالتالي لأن هذا الحق الطبيعي الذي يساوي الماء والطعام والهواء، صار من واجب الحكومات في العالم ألا تتلكأ وأن تعنى بهذا الموضوع كضرورة أولية في تطوير وتنمية اقتصادها وحياتها ومعرفتها وثقافتها، وهذا ما دفعني حين توليت وزارة الإتصالات إلى إيلائه الإهتمام المطلوب وتحمل كل المطالب. وقد آليت على نفسي وضع خطة تعيد رفع لبنان إلى مصاف الدول الرائدة والمتطورة، فوضعت خطة استراتيجية الإتصالات 2020، وفي نهاية هذه السنة ان شاء الله، بعد شهر، يكون ال4G Advanced في كل لبنان، وهذا ما تفتقده معظم دول العالم، وفي نهاية 2017 يكون الفايبر أوبتيك قد عم لبنان بنسبة 85%، وفي نهاية 2020 يكتمل تنفيذ الخطة 100%. وهذا المشروع هو الوسيلة الوحيدة التي تعيد لبنان إلى التطور وتسمح له باللحاق بالركب بعدما كان القطار قد فاته منذ سنوات”.
وتابع: “كثر من الناس يعانون من بطء الأنترنت ومن انقطاع المحادثات الخليوية، وهذه المعاناة عالمية إنما بنسب متفاوتة بين بلد وآخر، وما عملناه هو أننا خططنا للمشروع وباشرنا التنفيذ وصرفنا الإعتمادات اللازمة، والحمد لله أنه لم يكن بحاجة إلى موافقة مجلس الوزراء، لأنه إذ ذاك كانوا خاضوا معركة ضدنا لمنعنا من تنفيذه لأن الكيدية السياسية بالنسبة إليهم أهم من إنجازات تسعد الناس. وأنا فخور بأنني كما دخلت إلى وزارة الإتصالات بنوايا طيبة، سأغادرها وأنا مرتاح الضمير لما تمكنت من صنعه في خدمة شعبي ووطني. أردت الإضاءة على هذا الجانب للقول بأن لبنان مؤهل أن يواكب التطور العالمي الحاصل، وأتمنى على الوزير المقبل أن يتعاطى مع هذه الوزارة بموضوعية ووطنية وعلمية وليس بالسياسة، لأن التعاطي بالسياسة في هذه الوزارة بالذات يقضي على التطور”.
وقال متحدثا عن موضوع المؤتمر: “هذا العالم السريع التطور يعطينا إمكانات هائلة بسرعة كما يضعنا أمام تحديات كبيرة بسرعة، وإذا كان يحكى عن أسانج في هذا المؤتمر، فهذا يدل على مدى خطورة هذا العالم الذي يهدد حرياتنا كما يعطينا إياها، يهدد إمكاناتنا كما يعطينا حقنا في أن يكون لدينا السرية في حياتنا الخاصة، وبقدر ما علينا أن نعجل في الإكتشاف بقدر ما علينا أن نعجل في إيجاد سبل حماية حقوقنا، وهذا هو التحدي الكبير في كيفية معرفة حماية حقوق الناس لأن هذا ميدان ممكن أن يوضع في خدمة الناس، وإذا سقطت هذه المعادلة فنحن ذاهبون إلى عالم خطير جدا على الناس وحرياتهم وحقوقهم وأمانهم. واسمحوا لي بالقول أن الحماية الحقيقية هي في أن يبقى الإنسان إنسانا، يعرف معنى الكرامة والأخلاق والقيم، وحين نتجاوز هذه الأمور الثلاثة يستباح كل شيء”.
أضاف: “أنا اليوم موجود في أزعج الظروف، وزير مستقيل في حكومة تصريف أعمال، أعمل للتعجيل في وصل الألياف الضوئية تسهيلا للتواصل، وليت العاملين في تشكيل الحكومة يستطيعون التعجيل أكثر. فلبنان أمضى أكثر من سنتين بلا رئيس للجمهورية، فكيف يمكن للحكومة أن تعمل؟ وكيف تمكنت الحكومة من الحفاظ على وحدة البلد وقد كانت آخر مؤسسة دستورية رغم التضحيات والإهانات التي تعرضت لها واستمرت حفاظا حلى البلد. اليوم والحمد لله انتخب رئيس جديد للجمهورية وآمالنا كلها على الرئيس الجديد وكلنا وضعنا إمكاناتنا بتصرف فخامته، إنما نتمنى على القوى السياسية أن تخرج من بازار التجارة حول المواقع والوزارات وتنسى أن هناك انتخابات، وأن تتذكر أن الوزارات توضع في خدمة الوطن والمجتمع بكامله وليست وسيلة لتحقيق مكاسب انتخابية ورشوة الناس بخدمات تؤمنها بعض الوزارات. بمعنى آخر، أنا أفضل أن يرشي المرشح الناخب من ماله الخاص- رغم أني ضد الرشوة على الإطلاق- من أن يقدم هذه الرشى من جيبي وجيبكم وجيب كل اللبنانيين من الوزارات التي يتسابقون اليوم لتوليها. لماذا التسابق على وزارات الخدمات؟ لاستعمال إمكانات الدولة لإرضاء الناخبين. فهل هذه هي الصورة الحلوة التي نقدمها عن مستقبل لبنان؟ هل هذه هي الصورة الحلوة التي سترافق شعار الإصلاح والتغيير والقضاء على الفساد؟ هذا هو الفساد بعينه”.
وختم حرب: “أنا أتمنى أن تتشكل الحكومة على نمط الفيبر أوبتيك، بسرعة، وأن نفتش عن الأكفأ والأحسن وليس على زبوننا والذي يخصنا وعلى التحاصص والوزارات الدسمة بحثا عن إرضاء الناس بالخدمات لنيل أصواتهم في الإنتخابات المقبلة، فمصلحة لبنان يجب أن تكون أكبر من مصالح كل الأطراف والفرقاء والأشخاص، وهنا تتجلى الأخلاق والقيم في سبيل النهوض بلبنان. نأمل أن نتعاون، وإن اختلفنا بالرأي السياسي فنحن لسنا أخصاما، ولو كان لنا رأي مختلف فهذه علامة جيدة ودليل تنوع في مجتمعنا وأن لا مصادرة للرأي، فأخطر شيء على المجتمع أن يكون هناك رأي واحد، وهذا ما يدفعنا الى التمسك بالحفاظ على نظامنا الديمقراطي، وطموحنا تطوير لبنان والحفاظ على مؤسسات كمؤسسة مي شدياق التي تواكب التطور وتذكرنا بأنه علينا أن نرى أين أصبح العالم وأن نلحق به”.