حاصبيا – إكرام صعب
استطاع اللقاء الوطني الجامع الذي انعقد في دار حاصبيا أن يؤكد مجددًا على مفهوم العيش المشترك كنهج متجدد ودائم في قضائي حاصبيا ومرجعيون وقرى وبلدات العرقوب في القطاع الشرقي من جنوب لبنان، حيث شكّل مناسبة لتجديد الإيمان بوحدة هذه المنطقة وتاريخها المشترك وتنوّعها الغني الذي يعكس صورة لبنان الحقيقي.
انعقد اللقاء برعاية رسمية من وزارة الثقافة اللبنانية، ممثلة بمديرها العام الدكتور علي الصمد، وبتنظيم من جمعية تمدّن
وحمل اللقاء طابعًا وطنيًا جامعًا عابرًا للطوائف والمذاهب، جامعًا شخصيات من مختلف الاتجاهات على كلمة سواء، عنوانها الوطن والمواطنة.
الحضور
وحضر اللقاء حشد كبير من فعاليات ووجهاء المنطقة، إلى جانب شخصيات دينية وسياسية واجتماعية وثقافية وإعلامية. ومثّل الرئيس سعد الحريري في اللقاء النائب السابق عاصم عراجي، كما حضر مفتي حاصبيا ومرجعيون القاضي الشيخ حسن دلي، ومطران صيدا وصور وتوابعهما المطران إلياس الكفوري، والشيخ وسام سليقا ممثل شيخ عقل الطائفة الدرزية الدكتور سامي أبو المنى، والشيخ بشير شجاع ممثل الشيخ فندي شجاع، والشيخ نديم بدوي، والشيخ حسان جنبلاط، والخوري إميل الحداد، والنائب فراس حمدان، والأستاذ سامر الكاخي ممثلاً الوزير وائل أبو فاعور، والدكتور أمين شميس ممثل الوزير أنور الخليل،

والنائب السابق منيف الخطيب، لبيب الحمرا، والدكتور قاسم القادري، ساري غلمية رئيس بلدية مرجعيون، والأمين العام للمجلس الثقافي للبنان الجنوبي الدكتور عبدالله رزق، والدكتور علي مراد، والصحافي علي الأمين، وممثلي الأحزاب: المهندس درويش السعدي عن تيار المستقبل، الأستاذ ماجد الحمرا عن الحزب القومي، الأستاذ إلياس اللقيس عن الحزب الشيوعي، الشيخ عطوي عطوي عن الجماعة الإسلامية، والأستاذ سامر الكاخي عن الحزب التقدمي الاشتراكي، وحشد من رؤساء البلديات وأعضائها والمخاتير والجمعيات الأهلية.
امتد اللقاء على مدى ساعة ونصف الساعة، وشهد مداخلات ومواقف أكدت جميعها أن التعايش والألفة والمواطنة هي الركائز التي نشأت عليها هذه المنطقة وتربّت عليها أجيالها المتعاقبة.
الاحتفال


استُهل اللقاء بالنشيد الوطني اللبناني، ثم بكلمة ترحيبية ألقتها الإعلامية إكرام صعب، التي قدّمت اللقاء وأدارته، مرحبة بالحضور المتنوع من مختلف المناطق اللبنانية، ومؤكدة أن التآلف الذي يميّز بلدات قضائي حاصبيا ومرجعيون يشكّل نموذجًا يُحتذى في العيش الواحد، والتمسّك بقيم الانفتاح والمواطنة.
تلتها كلمات لكلٍّ من رئيس جمعية تمدن الدكتور زياد ضاهر، ورئيس بلدية حاصبيا ورئيس اتحاد بلديات الحاصباني الأستاذ لبيب الحمرا، ورئيس بلدية كفرشوبا واتحاد بلديات العرقوب الدكتور قاسم القادري، إضافة إلى كلمة وزارة الثقافة التي ألقاها الدكتور علي الصمد المدير العام للوزارة.
كلمات المشاركين
ألقى رئيس جمعية تمدّن الدكتور زياد ضاهر كلمة قال فيها:
“حين تتقاطع الجغرافيا بالتاريخ، تولد حكاية منطقة تشبه لبنان في تنوّعه. حاصبيا ومرجعيون ليستا مجرد أرض جميلة، بل ذاكرة حيّة لشعب آمن بأنّ العيش المشترك ليس شعارًا، بل فعل إيمان يوميّ.
يسعدني أن أرحّب بكم في هذا اللقاء الذي يجمعنا حول فيلمٍ وثائقيٍّ وُلد من إيماننا العميق بأنّ حاصبيا ومرجعيون ليستا مجرّد منطقتين على الخريطة، بل قلب نابض بالتنوّع، وذاكرة حيّة لوطنٍ آمن بأنّ العيش المشترك ليس شعارًا بل ممارسة يومية.
هذا العمل كان مقرّرًا له أن يرى النور منذ سنتين، غير أنّ الحرب حالت دون ذلك، لكنّ الحرب لم تُثنينا، وها نحن اليوم نعود، كما تعود هذه الأرض دائمًا، متمسّكين بسيرتها وسيرة شعبها العنيد المصرّ على الحياة.
ما نقدّمه اليوم هو أكثر من فيلم، إنّه شهادة وفاء لأهل هذه المنطقة، وللشخصيات التي وثّقت بكلماتها وذاكرتها حكاية الإنسان والصمود والأمل.
باسم جمعية تمدّن، أتقدّم بالشكر لكلّ من ساهم في إنجاز هذا العمل (منظمة بيرغهوف، ومؤسسة الخليل الاجتماعية، واتحادي بلديات الحاصباني والعرقوب، وبلدية مرجعيون)، ولكلّ المكرّمين والحاضرين الذين يؤكّدون معنا أنّ الجنوب، بالرغم من كل العثرات والمآسي، كان وسيبقى مساحة لقاءٍ وكرامةٍ واعتدال.
اليوم سنشاهد رحلة في ذاكرة تُشبه الحياة، لا تموت مهما عصفت بها الحروب.”
ثم كانت مداخلة لرئيس بلدية حاصبيا ورئيس اتحاد بلديات الحاصباني الأستاذ لبيب الحمرا، تناولت مفهوم العيش الواحد ووحدة المنطقة، مؤكدة أن هذا المفهوم متجذر فيها منذ الأزل.
تلتها كلمة لرئيس اتحاد بلديات العرقوب ورئيس بلدية كفرشوبا الدكتور قاسم القادري، الذي أثنى على مداخلات المشاركين، مقدّمًا نموذجًا واقعيًا عن التعايش والألفة التي تجمع قرى وبلدات العرقوب بمختلف مكوناتها.
كلمة وزارة الثقافة
وألقى راعي اللقاء، مدير عام وزارة الثقافة الدكتور علي الصمد، كلمة أكّد فيها على أهمية الدور الذي تؤديه وزارة الثقافة في دعم المبادرات الجامعة التي تُعلي من شأن التنوع كقيمة حضارية، معتبرًا أن لقاءات كهذه تُعيد إلى الجنوب نبضه الوطني، وترسّخ دور الثقافة في تعزيز الانتماء إلى الدولة.
قال الصمد:«العيش المشترك في لبنان لم يعد شعارًا نتغنّى به، بل واقعًا نعيشه منذ زمن طويل. التضحيات التي قدّمها اللبنانيون من مختلف الطوائف والمناطق، رسّخت هذا العيش الواحد، وجعلت منه خيارًا وطنيًا جامعًا لا رجعة عنه. الجنوب كان ولا يزال قبلة الوطنية اللبنانية ومهد التضحيات، وأرض حاصبيا والعرقوب المباركة شكّلت انطلاقة المقاومة الحقيقية التي قدّمت باسم الأمة العربية أسمى معاني الفداء والوحدة».
وأضاف:«ما يجمع اللبنانيين أقوى من كل الخرائط التي رسمها الغرب منذ مئة عام، وأكبر من كل المشاريع التي تحاول تقسيم المنطقة اليوم. صون العيش المشترك يبدأ من تعزيز التنمية الثقافية واللامركزية الإدارية الحقيقية، التي تمنح السلطات المحلية والمجالس البلدية صلاحيات فعلية في إدارة شؤونها وإنماء مناطقها.
وزارة الثقافة، رغم محدودية الإمكانات، تعمل على ترسيخ هذه المفاهيم عبر برامج التنمية الثقافية، حفاظًا على وحدة لبنان وتنوّعه، وعلى تماسك نسيجه الاجتماعي في وجه كل التحديات».
فيلم وثائقي وطاولة حوار
بعد ذلك، عُرض فيلم وثائقي مدته عشرون دقيقة، استعرض قصصًا من واقع حياة وتجارب أبناء المنطقة من مختلف الطوائف والمذاهب، حيث نقل شهادات حيّة عن التعايش والتضامن الإنساني، ومظاهر العيش المشترك التي طبعت الحياة اليومية في حاصبيا ومرجعيون والعرقوب.


عقب العرض، أُقيمت طاولة حوار أدارتها الإعلامية إكرام صعب، شارك فيها عدد من الشخصيات. فتحدث النائب السابق منيف الخطيب مثنيًا على ثبات مفهوم العيش المشترك واعتبره جزءًا أصيلًا من هوية المنطقة، داعيًا إلى تعزيز التنمية والازدهار، وإلى التفات الدولة نحو هذه المنطقة التي لطالما شكّلت نموذجًا للانفتاح والوحدة.
ثم كانت مداخلة لـ وهبة أبو فاعور، والد الوزير والنائب السابق وائل أبو فاعور، تحدّث فيها عن الولاء الوطني والنشأة في بيئة متواضعة، مستعيدًا ذكريات تربوية وإنسانية من مدرسة رسمية قديمة في وادي التيم أسسها الروس وتحولت إلى منارة علم ومعرفة، مشيدًا بالأساتذة الذين علّموه القيم والتسامح وبالروح التعاونية التي جمعت الأهالي والمعلمين من مختلف الطوائف في احترام الأعياد الإسلامية والمسيحية. وختم بدعوة صادقة للحفاظ على هذه القيم والعودة إلى السبل التي تجمع ولا تفرّق.
أما الاقتصادي والخبير المالي نسيب غبريل، فأكد أنّ العيش الواحد في منطقة وادي التيم، ولا سيّما في حاصبيا، متجذر وطبيعي ولا يحتاج لإبراز إعلامي، مستشهدًا بقصتين تاريخيتين تؤكدان عمق هذا التعايش: الأولى عن دعم أهالي حاصبيا لأحد الخوارنة خلال الحرب، والثانية عن حماية الكتب المقدسة للطائفة الدرزية في أحداث عام 1925، في دلالة واضحة على أن العيش المشترك هنا ممارسة أصيلة وليست طارئة.
واختتمت الندوة بكلمة للطبيب عدنان عبود، الذي قدّم شهادة حيّة من خلال خبرته في المنطقة، مؤكدًا أهمية وحدة العيش المذهبي والطائفي كضمانة لاستمرار التماسك الاجتماعي والإنساني في حاصبيا ومرجعيون.
التكريم والخاتمة
وفي ختام الحفل، جرى تكريم عدد من الشخصيات الدينية والاجتماعية التي كان لها دور فاعل في ترسيخ قيم الحوار والتعاون: الشيخ فندي شجاع، المفتي الشيخ حسن دلي، المطران إلياس كفوري، الشيخ أحمد صادق، الدكتور قاسم القادري، الشيخ غالب سليقا، النائب السابق منيف الخطيب، الدكتور أيوب شحيمي، الدكتور أنطوان فرهود، الدكتور نسيب غبريل، المرحوم الحاج فاروق ضاهر، الوزير أنور الخليل، الأستاذ وهبي أبو فاعور، الأستاذ وداد أبو رضى، والأستاذ ميشال أبو رضى.
ويأتي هذا النشاط في إطار جهود جمعية تمدّن لتعزيز الحوار والتفاهم بين مكونات المجتمع اللبناني، وترسيخ نموذج العيش المشترك كقيمة وطنية جامعة
[email protected]







