ذلك الزمن الجميل … حين فتح لنا وليد الحسيني أبواب الكلمة

نحن جيل الورقة والقلم وصحيفة الحائط ومجلة سامر، جيل البدايات البسيطة التي صنعت حكايتنا مع الكلمة، لا يمكن أن ننسى الأستاذ وليد الحسيني الذي غادرنا اليوم، تاركاً وراءه إرثاً من المحبة والمهنية والإنسانية.
كنت في سنتي الجامعية الأولى حين وجهت زوجته السيدة وفاء دعوة إلى طلاب الإعلام للإنضمام إلى فرق عمل جريدة “الكفاح العربي”، التي كانت يومها في طور التحوّل من مجلة إلى صحيفة. كنا نسمع دائماً أن الوظيفة تحتاج إلى “واسطة”، لكننا ذهبنا، نحن الستة ، بخطوات خجولة ومفعمة بالحلم، نحمل في قلوبنا عشق الكلمة والرأي.
طرقنا أبواب المبنى القابع بجوار صخرة الروشة، وهناك كان اللقاء الأول مع الأستاذ وليد. استقبلنا بابتسامة الأب، واحتوانا بخبرته ودفئه. ومن هناك بدأ المشوار، حين وجّهنا إلى مكتب الأستاذ ذو الفقار قبيسي، الذي علّمنا أن “الكلمة يمكن أن تكون ثلاثًا، أو فقرة كاملة، لكن الأهم أن تكون رشيقة كالفتاة الجميلة”— كما كان يقول رحمه الله.
من بين الستة، بقينا ثلاثة. وعدنا لنلتقي بالأستاذ وليد مجدداً، وكنت لا أزال أرمق بعيني ذلك القسم الذي يضم مجلات سامر، نوستالجيا طفولتي الأولى. سألني يومها:
“في أي قسم تريدين أن تباشري العمل؟”
قلت، من دون تردد: “القسم الثقافي”.
نظر إليّ مطولًا، وكان الأستاذ حسين نصرالله إلى جانبه، يعترض في صمت: طالبة وقسم ثقافة؟ مبكر عليها. لكن الأستاذ وليد كان يؤمن بنا. بعيوننا المليئة بالشغف، وبخطواتنا المرتبكة نحو المهنة. فتح لنا أبواب المؤسسة وأرشيفها، ذلك الكنز الذي احتضننا كمدرسة حقيقية للصحافة.
رويداً رويداً، بدأت أتعلم. حين سألني الأستاذ حسين، رحمه الله، إن كنت أجيد الكتابة عن معرض فني، قلت “نعم” وأنا لا أعرف في الفن شيئاً . ذهبت إلى المكتبة، اشتريت كتباَ عن الفن التشكيلي، وكتبت بإحساسي. كانت أولى مقالاتي عن الفنان عبد الحميد البعلبكي، الذي اتصل لاحقاً بالأستاذ وليد وقال له:
“لقد كتبت عن معرضي أجمل ما يمكن أن يُكتب.”
لمحت يومها في عينيه نظرة انتصار، وبدأت الرحلة. ومع صدور العدد الأول للجريدة، عشنا لحظة فرح جماعي، بين فنانين مصريين كبار من لبلبة إلى ليلى علوي، وكانت الكاميرا لا تفارق أيدينا، كأننا أطفال في عيد.
وفي نهاية الشهر، قبضنا أول مئة دولار. كنا نأتي إلى العمل بالتاكسي، لكننا عدنا يومها إلى الجامعة بالحافلة خوفًا على “المئة الأولى”! ومع مرور الأشهر، كبرت أحلامنا وتضخمت رواتبنا، وكان الأستاذ وليد يفرح بنا كما يفرح الأب بأبنائه.
“ممنوع حدا يزعلكن”، كان يقول.
كنا عائلة واحدة، لا مجرد زملاء. وربما لهذا السبب، ما زلنا أوفى الأصدقاء حتى اليوم في زمنٍ يصعب فيه اللقاء بصديق.
كنا مجموعة صغيرة تكبر بالحب: فضيلة الفاروق، غادة كلش، سوسن أبو ظهر، رانيا الأخضر، رولا سعد، حنان الحاج، سمر الكرجية، بثينة مراد، لبنى فواز… جيل حمل معه دفء البدايات وصوت الأستاذ وليد يرشدنا في دروب المهنة.
رحمك الله أستاذ وليد. لا يُنسى أول مكان عمل، ولا يُنسى من كان أول من آمن بنا.
رحلت وبقيت بيننا، في ذاكرة المهنة، وفي حنين جيلٍ بدأ معك… ولن ينسى أبداً من كان له أباً وسنداً في أول الطريق .

رولا عبدالله – إعلامية

لمشاركة الرابط: