قطار لبنان يبكيه وطن !

في بداية ستينات القرن الماضي كانت أجمل رحلات يوم الأحد تتم بالقطار من بيروت إلى طرابلس أو من بيروت إلى شتورة.
كان أبي يركن السيارة قرب محطة القطار في بيروت ونستقل القطار السريع (هل تصدقون كان عندنا قطار وسريع أيضا معروف بإسم أوتوماتريس) ينقلنا إلى طرابلس.
كان المشوار متعة مروراً ببقية المحطات والمناظر الخلابة. وعندما نصل إلى طرابلس نستقل “الحنطور” إلى مقهى في منطقة البداوي، كان عنده بركة كبيرة فيها سمك، يقدم لنا النادل صحنا فيه قضامة صفراء ألقيها حبة حبة للسمكات التي تتسابق لإلتهامها فيما أمي -رحمها الله – تستمتع بأركيلتها وأتشارك مع أبي صحن الفول وما يجود به إبريق الشاي.
وعندما تستكمل أمي تدخين “نفس النكهة” وهي ماركة التنباك، نستقل الحنطور مجددا إلى ساحة التل حيث محال الحلويات الطرابلسية الشهيرة.
وبعدما نشتري حاجتنا، نعود بالحنطور إلى محطة القطار وإلى “الأوتوماتريس”… وأستفيق على عبارة والدي، رحمه الله، “وحد ألله يا محمد وصلنا” إلى بيروت .
وبعد فترة، نستقل القطار (غير السريع) من بيروت إلى شتورة مروراً بمحطات عاريا ونفق حمانا ونصفق لسائق القطار كلما أتحفنا بصفير قطارة على الرغم من دخانه الذي يغزو المقطورات أثناء مروره في النفق.
الرحلة بالقطار إلى شتورة كانت جميلة في فصل الصيف، كان الشبان يقفزون من الباب الأمامي للمقطورات فيما يتسلق القطار ببطء شديد الجبال إلى عالية مرورا بعاريا وإلي شتورة مرورا بحمانا ليعيدوا الصعود من الباب الخلفي، وفي فصل الشتاء كان المشهد أكثر جمالاً عندما يخترق القطار الثلوج المتراكمة على سكته وصولاً إلى ظهر البيدر قبل البدء بالإنحدار إلى شتورة.
العودة من شتورة كما، العودة من طرابلس، تنتهي عندما أستفيق بعد سبعة عقود ونيف على بلد كان متمدناً وصار متخلفاً يفرض ضرائب على مواطنية لتمويل رواتب العسكريين المتقاعدين بدلا من فرض غرامات على أصحاب المشاريع السياحية والأبنية التي شيدت على خطوط السكك الحيدية وأعادتنا إلى زمن … ما قبل الحنطور.
ذكريات جميلة حقاً لكنها تدمع العين وتبكي القلب أقله حزناً على حالنا مما نحن فيه من … “تخلف وفساد”

محمد سلام
الوكالة الإتحادية للأنباء
Associated News Agency

لمشاركة الرابط: