مبالغات بين حزب الله.. وخصومه!

على مسافة ثلاثة أيام فقط من موعد جلسة الإنتخاب الرئاسية، يبدو المشهد السياسي في حالة شحوب وضياع، وأوراق الإقتراع مبعثرة يُمنةً وشمالاً، وأصوات النواب يختلط فيها الصادق مع المناور، ومساعي الوسطاء تحاول لملمة الفسيفساء اللبناني، لمساعدة البلد المأزوم على الخروج من دوامة الأزمات إلى رحاب الحلول المنشودة.
الرئيس نبيه برّي يريد أن تستمر الجلسة الإنتخابية حتى خروج الدخان الأبيض، على الطريقة الفاتيكانية، وإنجاز إنتخاب الرئيس العتيد، ولو في دورات إنتخابية متتالية في إطار الجلسة الأولى، التي من المقرر أن تبقى مفتوحة لعدة أيام، إذا إقتضى الأمر ذلك.
ولكن أطراف سياسية أخرى، لا تتعامل مع الجلسة الانتخابية بنفس حماس رئيس المجلس النيابي، بل وتحاول الدفع بإتجاه تأجيل إنعقادها، أو إقتصارها على دورة إقتراع واحدة أو إثنتين على الأكثر، دون التوصل إلى إنتخاب الرئيس العتيد، وذلك لغايات في نفس يعقوب، بعضها له علاقة بأرض الواقع، والبعض الآخر تطير حساباته فوق السحاب.
الطابع الغالب على مواقف الكتل الكبيرة في المجلس النيابي، تطغى عليه الحسابات الحزبية والفئوية والشخصية، دون إعطاء أية أهمية لمصالح البلد العليا، وما تطلبه من الجميع العمل بإخلاص لتخفيف معاناة الشعب المقهور، والإنتقال من جهنم الإنهيارات إلى سبل الإصلاح والإنقاذ.
رغم الواقع المأساوي الذي يتخبط فيه البلد، لم تقتنع الأطراف السياسية والحزبية الفاعلة بعد ، أن أيّاً منها لا يستطيع أن يتفرَّد بقرار إختيار رئيس الجمهورية، وأن نجاح تجربة الرئيس تتطلب إلتفاف أوسع مجموعة سياسية حوله، ليقوم بدور الحَكَم بين الجميع، على خلفية كونه على مسافة واحدة من الجميع، بما يسهل عليه، وعلى البلد طبعاً، القيام بكامل مسؤولياته الدستورية في أجواء من التعاون مع الحكومة، التي يجب أن تكون بمثابة فريق عمل منسجم، لتستطيع تحقيق الإصلاحات والإنجازات المطلوبة منها بالسرعة المناسبة.
يبالغ خصوم حزب الله، مثلاً، بإنعكاسات نتائج الحرب السلبية على قوته ودوره السابق في المعادلة الداخلية، والتي مكّنته من بسط نفوذه على معظم مفاصل الدولة. صحيح أن الحزب بعد الحرب المدمرة ليس كما كان قبلها، بسبب خسائره البشرية الكبيرة، وفي مقدمتها إستشهاد أمينه العام السيد حسن نصرالله. ولكن من الخطأ التصرف وكأن الحزب فَقدَ دوره في المعادلة الوطنية، ويمكن تجاوز أو تجاهل مواقفه من الإستحقاقات المفصلية، مثل الإنتخابات الرئاسية. كما أنه ليس من الواقع بشيء إصرار بعض المتحدثين من حزب الله على خطاب ما قبل الحرب، والتصرف بعقلية التفرد والهيمنة على مقدرات الدولة، والقرارات المصيرية. ومثل هذه الإعتبارات الخاطئة من الطرفين من شأنها أن تزيد الأمور تعقيداً، ولا تساعد على إنقاذ البلد وأهله من تداعيات الكوارث المتلاحقة، بل وقد تؤسس لحروب داخلية مريرة، خاصة وأن رياح المتغيّرات الإقليمية، والتي أصابت محور الممانعة في مفاصل أساسية، مثل لبنان وسوريا، قد تدفع طهران إلى خوض مغامرات جديدة، ولو على طريقة «عليَّ وعلى أعدائي يا رب…»، خاصة في حال فشل مفاوضات الملف النووي الإيراني، وعدم رفع العقوبات الإقتصادية عن إيران، وإستمرار التهديد الإسرائيلي في ضرب المنشآت النووية الإيرانية.
مجرد التفكير بمثل هذه الإحتمالات السوداء يفرض على الأطراف اللبنانية العمل، وبالسرعة اللازمة، على إنجاز الإستحقاق الرئاسي، والحرص على تحصين البلد من أية تداعيات إقليمية صادمة، عبر إستعادة البنية الدستورية للدولة، وإعادة لبنان إلى الصف العربي.
ولا بد من تذكير جهابذة السياسة في هذا الزمن الرديء، بأن العدو الإسرائيلي يعربد في المناطق الجنوبية: ينسف المنازل، ويجرف الحقول والبساتين، ويدمر الطرقات وكل البنى التحتية، ويستمر في خروقاته البرية والجوية اليومية، مستغلاً عدم وجود سلطة قوية في لبنان، وتراخي لجنة المراقبة الدولية، و«قبة باط» من الإدارة الأميركية، وفوق كل ذلك إعلانه عدم الإنسحاب من الأراضي اللبنانية قبل إنقضاء الستين يوماً، التي نص عليها إتفاق وقف النار في ٢٨ تشرين الثاني الماضي.
ألا تستدعي المخاطر التي يشكلها العدو الإسرائيلي على الأمن والإستقرار في البلد، إعادة النظر بالمواقف الأنانية والفئوية، والذهاب إلى توافق وطني يواجه تحديات الإعتداءات الإسرائيلية، ومضاعفاتها على الأوضاع الهشة في البلد؟.
إن إنتخاب رئيس الجمهورية الخميس المقبل لا يعني إنقاذ الرئاسة الأولى وحسب، بقدر ما هو إنقاذ للوطن كله من خواء الشغور المتمادي.

صلاح سلام – اللواء

لمشاركة الرابط: