خاص – nextlb
تسرب صوت شجي الى مسمعي عبر سور حديقة الصنائع خلته ينبعث من آلة تسجيل ، ولكنني فوجئت برجل ثمانيني يدندن بصوت شجي رائعة محمد عبد الوهاب في الأربعينيات من القرن الماضي “الجندول ” … أين من عيني هاتيك المجالي يا عروس البحر يا حلم الخيال! ” .
توقفت أمامه وهو يجلس على المقعد في الحديقة ، وطلبت منه إعادة الغناء لتصويره بهاتفي فإهتم للأمر وعدل في جلسته ، وطلب من جليسه العجوز الآخر الإنصات والتعامل مع موهبته بجدية ، وأجاد في غناء أغنيات الموسيقار محمد عبد الوهاب مع مسحة حزينة في الصوت تنم عن بؤس حال … غنى لي رائعتي محمد عبد الوهاب “الجندول” و “يا مسافر وحدك “… وأداها بإحساس عال وبصوت مميز يستحق التوقف عنده ، وقال بعد الغناء عرفني عن نفسه قائلاً ”
إسمي ونيس أنا أرمني مواليد عام 1942 أسكن في حي برج حمود وأقضي بعض الوقت هنا في حديقة الصنايع منذ سنين .”
منذ الصغر أحس “ونيس” بجمال صوته وموهبته ، واستهواه الطرب العربي الأصيل ، وكان من المعجبين بصوت الموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الاطرش ، وقد سعى الى لقاء محمد عبد الوهاب عندما كان يزور لبنان ، ونجح بذلك فعلياً في عام 1962 عندما التقاه في فندق “شيبرد” بحمدون ، وغنى له حسب قوله بعض أغانيه التي كان يحفظها مع لحنها عن ظهر قلب ، فأعجب به عبد الوهاب وصفق له .
وهمس “ونيس” لي بهدوء وبحركة رشيقة من يديه وقال “قلت لعبد الوهاب هل في ما غنيت يا أستاذ خلل أوخطأ ما ، فقال لي ” أبداً أبداً ولكن لماذا تسألني قلت” لأنني أرمني وأغني بالعربية !”
وتابع الكلام بفرح وتحد فقال ” أصيب عبد الوهاب بالذهول ، وكتب لي بضع كلمات على ورقة صغيرة وختمها بإمضائه ، وذهبت بها الى أحد مسؤولي الإذاعة اللبنانية حينها ، وقدمت نفسي له ووعدني بفرصة ، ولكن للأسف لم تتح لي تلك الفرصة أن أغني في الإذاعة اللبنانية ”
وبعد أكثر 60 عاماً لا زال “ونيس” متحمساً للغناء أمام الناس بعد تجاوزه العقد الثامن من العمر ، ولا زال صوته يختزن الكثير من الأحاسيس والجمال بالرغم من حال البؤس والفقر التي أصابته في هذه المرحلة المتقدمة في السن ، وكان من الواجب أن يكون فيها نزيل أحد أماكن الراحة الخاصة بالمسنين يقضون فيها أعواماً من السكينة في خريف العمر .
[email protected]
عدسة nextlb.com