ما كان يخشاه كثير من اللبنانيين، من تحوّل الصفيح الساخن إلى فتنة نارية كادت أن تندلع على كوع الكحالة، لولا التدخل السريع للجيش، والذي تمكَّن من وأد الفتنة في مهدها، والسيطرة على الوضع المتفجر بالعصبية والإنفعال، بكثير من الحكمة والحزم، أنقذت الكحالة، بل والبلد برمته، من الشرارة التي كانت نيرانها ستأكل الأخضر واليابس، وتُعيد البلد إلى أجواء الحرب البغيضة.
وبعيداً عن خطابات الشحن والتجييش، وخلفياتها السياسية والحزبية، فإن الأحداث الأمنية المتسارعة في الأيام القليلة الماضية، والمتنقلة من عين إبل إلى الكحالة، وصولاً إلى الحادث الملتبس الذي تعرض له موكب وزير الدفاع، أثبتت أن دوامة الفراغ الذي تتخبط فيه الدولة، من رئاسة الجمهورية، وعجز حكومة تصريف الأعمال، وتلاشي قدرات السلطة على القيام بدورها الوطني في هذه الظروف البالغة التعقيد والخطورة، من شأنها جميعاً أن تضع البلاد والعباد في مهب الفتن والإنهيارات الأمنية، التي قد نعرف كيف تبدأ، ولكن لا أحد يستطيع أن يتنبأ كيف ستنتهي، رغم أن الجميع سيخرج منها خاسراً، بغض النظر عن خلل موازين القوة الراهن، ومهما توهم البعض أن فائض القوة لديه سيمكِّنه من حسم المواجهة لصالحه.
موضوع سلاح حزب الله مطروح على طاولة الحوار، وهو موضوع خلاف جوهري بين فريقي الممانعة والمعارضة منذ فترة ليست قصيرة، دون التوصل إلى الصيغة المناسبة لمعالجته، بعد خروج الحزب عن إعلان بعبدا، الذي تم التوصل إليه بعد جولات من الحوار في قصر بعبدا في عهد الرئيس ميشال سليمان، وذلك في إطار البحث في السياسة الدفاعية، التي تُجنب لبنان مثل هذه الخضات الأمنية، وتتسبب بهذا الإنقسام العامودي بين اللبنانيين.
وعدم التوصل إلى تفاهم وطني شامل حول هذا السلاح، يُحمّل حزب الله المسؤولية الأولى في توفير الضمانات المطمئنة للشركاء في الوطن بعدم إستخدام هذا السلاح في الداخل، وإعتباره وسيلة لفرض خياراته السياسية على اللبنانيين، بدءاً من الإنتخابات الرئاسية، إلى كل مندرجات الحياة السياسية اليومية، التي لا يمكن أن تستقيم بوجود مثل هذا الخلل في المعادلة الوطنية.
لا إستعراضات القوة من جهة، ولا حملات التحدي والتجييش من جهة ثانية، تنفع في تجنيب البلد، المنهك بأزماته الإقتصادية والمالية والمعيشية، الانزلاق إلى أتون مواجهات أمنية، قد تتطور إلى حرب داخلية، وتقضي على البقية الباقية من مقومات الكيان اللبناني، القائم على معادلات دقيقة، لا تتحمل المزيد من المغامرات العسكرية، وتكرار تجربة ٧ أيار السوداء، ولا الشعارات الإستهلاكية مثل الفدرلة والتقسيم.
إنها ساعة لتغليب العقل والحكمة، وعدم الإنجرار وراء الإنفعالات والعواطف الهوجاء، التي لا تُبقي ولا تذر، وتجر الكوارث على البلاد، وتصيب العباد بمزيد من المآسي والويلات.
فهل من يتعظ بدروس وعبر الماضي القريب..، أم أن لبنان على عتبة حرب جديدة؟
المصدر : اللواء