إكتمل مشهد الفصل الثاني من مسرحية الإنتخابات الرئاسية، بعد هذا «التقاطع» الواسع على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، باسم أحزاب المعارضة، المسيحية منها خاصة، مع أعداد من التغييريين والمستقلين، وما قابله من إعلان النائب ميشال معوض إنسحابه من السباق الرئاسي لمصلحة المرشح الجديد.
أصبح لفريق المعارضة والتيار الوطني الحر مرشحاً واحداً، يتمتع بمواصفات علمية، وتجارب عملية في الشؤون المالية، وتلاقى حول شخصه خصوم الأمس، وإنقسمت بسببه جماعات التغيير والتجديد والتطوير والتفخيخ، إلى ما هنالك من أوصاف تحلّى بها النواب الجدد، ليغطوا إنقساماتهم، وليتستروا على عيوب فشلهم في العمل الوطني، حيث غرقوا في أول شبر من الإستحقاقات الداهمة، ولم يفلحوا في الحفاظ على شعرة معاوية بين مواقفهم المتناقضة.
المهم أن ترشيح أزعور حقق شرط رئيس المجلس النيابي للدعوة لجلسة إنتخابية جديدة، ستكون هي الأولى هذا العام، بعد ١١ جلسة سابقة في أواخر أشهر العام الماضي، تحولت معظمها إلى مهازل مملّة، بسبب تكرار مشاهدها الفارغة، والتي كانت الورقة البيضاء لفريق الممانعة وحلفائه، مع تطيير النصاب طبعاً، هي السلاح الأمضى لتعطيل العملية الإنتخابية.
دعوة الرئيس برّي المجلس النيابي لعقد جلسة إنتخابية سريعة، لا يعني بالضرورة أن الدخان الأبيض باسم الرئيس العتيد سيظهر بمثل هذه السهولة، لأن العنصر الأساس الذي تطالب به دول اللقاء الخماسي، وهو «التوافق» مازال مفقوداً في الفضاء السياسي الداخلي، كما في أجواء الجلسة المرتقبة. وعليه ليس من المتوقع أن تسفر العملية الإنتخابية عن نتائج حاسمة، طالما بقيت المعركة محصورة بين مرشحيْ فريقين، يشكل كل واحد منهما تحدياً للآخر، الأمر الذي يتعارض مع مواصفات لقاء باريس الخماسي، الذي شدّد على تجنب الإنزلاق إلى موقع «غالب ومغلوب» في الإنتخابات الرئاسية، لأن إستمرار الإنقسام العامودي في البلد، بعيداً عن المعايير الديموقراطية السليمة، لا يساعد على إنقاذ لبنان من كبوته، وتحقيق الإصلاحات المطلوبة، والتي تتطلب تتضافر كل الجهود لضمان نجاح مسيرة الإنقاذ بالسرعة المنشودة.
أليس من المستغرب أن يكون الشقيق والصديق أكثر إدراكاً من أطراف المنظومة السياسية، لأهمية التوصل إلى تفاهمات داخلية تواكب ما يحصل في المنطقة من تفاهمات إقليمية، كانت حتى الأمس القريب يُعتبر حصولها من رابع المستحيلات؟
هل يجوز أن يبقى هذا البلد المنكوب وشعبه المقهور ضحية خلافات أحزابه وسياسييه، وكل طرف يتهم الآخر بالخيانة والفساد، ويُهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور، فيما بلدان المنطقة طويت صفحة خلافاتها وحروبها في إتفاق بكين بين السعودية وإيران، وبدأت تستعد لمرحلة جديدة وواعدة من الإستقرار والإزدهار؟
ومن قال أن التوصل إلى تفاهمات بين اللبنانيين للخروج من خلافاتهم الأنانية والمصلحية، هو أصعب بكثير من تضارب المصالح الكبرى بين دول الإقليم، والتي إستطاعت في النهاية أن تتوصل إلى إتفاقات تحفظ المصالح المشتركة، وتحمي الأمن الوطني لبلدانها، وتهيئ الأجواء المناسبة لإنطلاق ورش التنمية والتطوير والإعمار؟
المتابعون لمسار المشاورات الخارجية حول الوضع اللبناني، لا يستبعدون لجوء واشنطن إلى شهر سيف العقوبات، كما هددت مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط برباره ليف أكثر من مرة، في حال لم يتم إنتخاب رئيس جديد للبنان قبل نهاية تموز المقبل ، كحد أقصى.
لا يستطيع الفرقاء اللبنانيون أن يبقوا أسيري مواقفهم السابقة لإتفاق بكين، والمضي قدماً في التحديات والمواجهات فيما بينهم، وإهمال العودة إلى لغة العقل والحكمة، وما تقتضيه الواقعية السياسية من تكيّف مع التطورات الإستراتيجية والسياسية في الإقليم، والإستفادة من مناخات التفاهم والتعاون بين اللاعبين الكبار في المنطقة، والتي حلّت مكان أجواء المشاحنات والحروب والتوتر، والتي كانت آخر صورها عودة سوريا الأسد إلى الجامعة العربية، وحضور رئيسها شخصياً قمة جدّة وسط ترحيب عربي غير مسبوق. فضلاً عن تكرار اللقاءات بكثافة بين وزيري خارجية السعودية وإيران، وعودة العلاقات الديبلوماسية بين الرياض وطهران، وتبادل دعوات الزيارات على مستوى القمة بين البلدين.
أجواء التفاهمات الإقليمية ستفرض على اللبنانيين العودة إلى قاعدة» لا غالب ولا مغلوب»، والإبتعاد عن مرشحيْ التحدي، والذهاب إلى التوافق على مرشح ثالث لا يشكل تحدياً لأحد، ولا يكون مستفزاً لأحد، ويشكل نقطة إلتقاء، (وليس تقاطع!) بين الأكثرية الساحقة من النواب، في حال تعذر الوصول إلى الإجماع الذي حظي به العماد ميشال سليمان يوم إنتخابه رئيساً بموجب إتفاق الدوحة.
فمن سيكون صاحب الفخامة التوافقي؟
المصدر اللواء – صلاح سلام