خاص – nextlb – عاطف البعلبكي
في مثل هذا اليوم من عام 1912 شهد عالم البحار أكبر كارثة بحرية لعلها الأكبر في التاريخ حيث غرقت السفينة العملاقة التايتانيك في أول رحلة بحرية لها من بريطانيا الى العالم الجديد الولايات المتحدة الأميركية مخلفة قتلى ومفقودين بعد دعاية كبيرة لها بأنها الأسرع في العالم وهي التي لا تحرق ولا تغرق ، ولكنها غرقت بسرعة وانشطرت الى نصفين بعد اصطدامها بجبل جليدي عائم في المحيط الأطلسي .
القصة أعيدت الى الآذهان بعد إنتاج الفيلم الشهير التايتانيك في عام 1997 للمخرج الكندي جيمس كاميرون الذي كلف انتاجه حوالي 200 مليون دولار و حطم كل الأرقام القياسية في شباك التذاكر على الصعيد العالمي برصيد 2،18مليار دولار ، وبلغت ضخامته أن المخرج أعاد بناء السفينة بمقاييسها العملاقة ولكن بحجم أصغر قليلاً ، وصورها في حوض مائي كبير جدا وتم تصويره في ولاية كاليفورنيا الأميركية .
نتذكر هذا الحادث لعدة أسباب منها أن يتعظ الإنسان من الحادث بعد إصرار مهندسيها على انها “السفينة التي لا تحرق ولا تغرق” ، ليس هذا فحسب بل أن نعرف أنه كان من بين القتلى والمفقودين عدد كبير من اللبنانيين (السوريين حينها) قبل فصل لبنان عن سوريا وبلاد الشام قد يصل الى 150 قتيلا .
ونجا حينها من الكارثة على ظهر سفينة الإنقاذ كارباتيا نحو 1517 راكب من أصل 2223 كانوا على متن التايتانيك.
وسجلت بعض الصحف العربية الصادرة في الولايات المتحدة ونيويورك ومنها جريدة “الهدى” و “مرآة الغرب” تحديدا أكثر من 150 “سوريا” غرقوا في ذلك الحادث المشؤوم من جميع المناطق اللبنانية ، فكان فيها أهل الشمال من حردين وزغرتا وأهل البقاع من زحلة وكفرمشكي في قضاء راشيا وأهل صور وغيرهم .
والإشارة الوحيدة كانت في فيلم التايتانيك أنه كان على متن السفينة العملاقة عرباً كانت لإمراة تهرب مع طفليها وتقول لهم بالعربية ” يلا يلا ” تدعوهم للهروب سريعاً والإلتحاق بأحد زوارق الإنقاذ اذا استطاعوا وذلك لأن غالبية من انقذوا من الغرق كانوا من النساء والأطفال ومن ركاب الدرجة الأولى ومن استطاع القفز الى مراكب الإنقاذ القليلة ، ومنهم قلة من اللبنانيين بينما غرق الباقون في الماء الجليدي واختفى أثرهم الى اليوم .
حردين … و دبكة يا شباب !
وفي الذكريات المنقولة عن ذلك اليوم أن مجموعة من شباب بلدة حردين البترونية الشمالية عندما علموا بأنهم ملاقو حتفهم وأنه لا فرصة لهم بركوب قوارب الإنقاذ ، دعا أحد قبضاياتهم رفاقه الى الدبكة وأطلق “حوربة” (غناء يمزج الفخر والقوة بالحزن ) كان فيها من القوة والكبرياء الشيء الكثير ، ويبدو أن المخرج قام بإستبدال هذه الواقعة في الفيلم الى عزف على البيانو وغيره لغير العرب
وذكر الكاتب الدكتور رفيق باسيل إبن بلدة حردين ( جريدة الشرق الأوسط ) الذي الف كتاباً بعنوان ” سيرة البطولات والدين في بلدة الثلاثين حردين” أنه قد نجا حينها من الموت 1517 راكباً من أصل 2223 نقلاً عن معلومات شفهية من أحفاد الناجين ، ويروي كيف تصرف اللبنانيون على متن السفينة أثناء وقوع الكارثة ، ومن أنقذ ووصل الى مدينة نيويورك من اللبنانيين أن شباب القرية تجمعوا على ظهر الباخرة وقرروا مواجهة الموت المحتم بعزة نفس حين ركعوا وصلوا طالبين الرحمة، وبعد أن ودعوا النساء والأطفال صاح أحدهم : “دبكة يا شباب “، فوقف الـ11 شابا في صف واحد ممسكين بالأيدي وراحوا يدبكون على أنغام المجوز (الناي) الذي كان في زنار أحدهم ، ويرددون بصوت واحد لحناً شعبياً ، وهو: “عالدّيها الديّها الديهّا.. العصبة انحلت شديّها”.
اللحظات السوداء
وكانت الباخرة العملاقة التايتانيك انطلقت بإتجاه نيويورك في عصر يوم الرابع عشر من شهر نيسان أبريل من عام 1912، لكن المصير المشؤوم كان في انتظارها بعد أربع ساعات ونصف الساعة ، فعند الساعة الـ11 و40 دقيقة من مساء ذلك اليوم صدمت السفينة جبلاً من الجليد الزاحف في المحيط الأطلسي ، وكانت تسير بطاقتها القصوى ولم تتمكن لضخامتها من تغيير وجهة سيرها سريعاً للإبتعاد عن جبل الجليد فإصطدم فجأة بجسم السفينة وشق هيكلها ، وتدفقت المياه الى عنابرها السفلية وغرقت بعد ساعات بعد انشطارها الى نصفين لتستقر في قعر المحيط الأطلسي حتى اليوم منذ 110 سنوات .
هل أبطال الدراما الرومانسية لبنانيون بالأصل ؟
كانت طريقة الإخراج والقصة في فيلم التايتانيك مشابهة تماماً لما جرى مع المهاجرين اللبنانيين على متن الباخرة في الفيلم فمن المحتمل أن تكون منقولة عن العروس اللبنانية التي تم انقاذها بعدما رماها عريسها بقوة في أحد قوارب الإنقاذ ، وعندما حاول أن يقفز ليلحق بها وقع في الماء وغرق واختفت جثته من ذلك الحين ، وكان اسم العروس اللبنانية سيلانة وهي في الخامسة عشرة من عمرها وأصبحت بعد أيام قليلة من زواجها أرملة ، وكانت برفقة شقيقتها أمينة، وظلتا ترويان تفاصيل تلك الليلة المشؤومة بحسرة وحزن سنوات طويلة، فهي كانت قد تزوجت من أنطوني يزبك الذي عاد إلى حردين بعد أن كوّن ثروة صغيرة من تجارة الأحذية كي يختار عروساً له من قريته ، وبعد العرس سافرا على متن تايتانيك الى الولايات المتحدة الأميركية ، واصطحبا معهما شقيقتها أمينة مع ولديها .
وعندما اصطدمت السفينة العملاقة بجبل الجليد كان الجميع في طبقات الدرجة الثالثة السفلى ، فأسرعت سيلانة وأنطوني إلى أمينة وحمل كل منهما ولدا وركضا إلى السطح، ولما أمر الضباط النساء والأطفال بالصعود إلى قوارب النجاة من دون الرجال أبت سيلانة ترك عريسها، فما كان من أحد الضباط إلا أن صوّب مسدسه نحو العريس ومنعه من الصعود في القارب ، وأكد أنطوني لها بأنه سيصعد إلى القارب التالي ، لكنها لم تره مطلقاً بعد ذلك.
فهل كانت القصة الرومانسية في موضوع فيلم تايتانيك الذي سجل نجاحاً كبيراً مستوحاة من قصة سيلانة وعريسها أنطوني وتهديد الضابط ، فهو شبيه بمشهد الوداع المؤلم بين بطلي الفيلم روز (كيت وينسليت) وجاك دوسون (ليوناردو دي كابريو) مع بعض الإضافات الدرامية وبعض الإيحاءات الجنسية في أول الفيلم ؟
فحسب ما روته سيلانة لأبنائها بعد ذلك، إنها شدت رأس عريسها انطوني إلى صدرها، وقالت له ” نموت أو نحيا معا” وبعدها انقطع حبل قارب النجاة وسقط في الماء وأغمي على سيلانة إلى أن وجدت نفسها قد أنقذت بأعجوبة وعلى صدرها جورج، طفل شقيقتها أمينة، حتى إن هذا الطفل كان معرّضا للموت، فهو وقع في الماء وانتشل بمساعدة من كان مع أمه وخالته، وأشفق أحد الركاب على طفلها الثاني حليم وألبسه سترة النجاة وأنزله في أحد الزوارق، والتقى بعدها بوالدته.
مسافر مصري في عداد ركاب الدرجة الأولى …ورواية !
وأجرت الصحافية المصرية ياسمين سعد في عام 2012 أثناء مشاهدتها لتقرير لبناني في الذكرى المئوية لغرق التايتانيك، عن اللبنانيين الذين قضوا على متنها ، بحثا على الموقع الرسمي للسفينة Encyclopedia Titanica. وجدت بين اسماء الناجين اسماً مصرياً وهو ” حمد حسب “، وهو الناجي المصري الوحيد الذي كان على متن السفينة، فقررت البحث عنه .
وتعرفت الى عائلة المرشد السياحي حسب ونقلت بعض مقتنياته المرفقة مع النص وكتبت رواية حملت عنوان “تذكرة على متن تيتانيك”.
كان حمد حسب من ركاب الدرجة الأولى بالصدفة لأنه كان مسافراً كضيف لعائلة هنري هاربر الأميركية التي كانت تملك دار نشر تعرف اليها في مصر واصطحب رب الأسرة الى الولايات المتحدة الأميركية ونجا مع الأسرة لأنه كان في الدرجة الأولى وبعث برسالة الى أهله وبطاقة بريدية تطمئنهم أنه ما زال على قيد الحياة وبقي في الولايات المتحدة الأميركية بضع سنوات بعد غرق الباخرة .
وحسب رواية الصحافية سعد أن حمد حسب هو العربي الوحيد الذي كان يجلس في مقصورات الدرجة الأولى بصحبة الأميركي هاربر وزوجته، وفي اليوم المشؤوم، كان يتجول على سطح تايتانيك عندما سمع بالصدفة مراقب السفينة وهو يقول أن الجبل الجليدي شق بدنها من المنتصف، وأنهم سيغرقون لا محالة، فأسرع إلى مضيفيه الأميركيين هاربر وميرا وأبلغهما بالخبر.
موقف الدولة اللبنانية …كالعادة!
وللأسف لم تتم الإضاءة على هذا الموضوع ولا طالبت الدولة اللبنانية لا حينها ولا بعدها الولايات المتحدة الأميركية بقوائم رسمية للموتى ولا للأحياء الذين نجوا “من الكارثة . ويُذكر أن اللبنانيين الذين كانوا على متن التايتانيك أتوا من أكثر من عشرين مدينة وقرية لبنانية، ومنها : بنت جبيل، تبنين، سرعل، كفرمشكي، بيروت، كفرعبيدا، زغرتا، كفردلاقوس، طرابلس، عبرين، حردين، كفرصغاب، فغال، الشوير، الحاكور، تولا، بكاسين، الحدث، زحلة، تحوم، والفاكهة.
أقوال ومعلومات !
وكشف موقع “العربية نت ” في تحقيق سابق له أن قرية كفرمشكي في قضاء راشيا خسرت 13 فرداً منها ، وقالت أن الكاتبة الأميركية العربية من أصل سوري ، ليلى سلوم مؤلفة كتاب “الحلم فالكابوس” إستقت معلوماتها من صحيفة “الهدى “العربية التي كانت تصدر في نيويورك حينها ، وذكرت أن عدداً من اللبنانيين تم قتلهم بالرصاص لعدم انصياعهم لأوامر حرس السفينة ومحاولة الركوب في قوارب إنقاذ الدرجة الأولى .
وفي تحقيق سابق لموقع إم تي في جاء فيه عن لسان ابن شقيق مختار حردين أن 154 شخصاً من لبنان كانوا على متن السفينة في رحلتها المشؤومة لم ينج منهم الا 29 وذكر أنه كان بينهم عندما نجوا بطلة الفيلم الحقيقية المسنة التي ظهرت في نهاية الفيلم .
وذكر الكاتب جان داية في جريدة الحياة الصادرة بتاريخ 13-4-1998أن الذين تم اطلاق النار عليهم وقتلهم من ضباط الباخرة كانوا ” سوريين ”
وهكذا وبعد 110 أعوام لا زالت قضية غرق التايتانيك تشغل الراي العام العالمي لكونها مأساة إنسانية أعادها المخرج الكندي جيمس كاميرون ضمن فيلم بمواصفات عالمية حقق أرباحاً بمليارات الدولارات .