رياض سلامة آخر رجالات الحريري في دائرة الاستهداف!

كتب الزميل أحمد عياش في “النهار”
منذ 27 عاماً وصل #رياض سلامة إلى حاكمية #مصرف لبنان. جاء على رأس فريق اختاره الرئيس رفيق #الحريري ليكون الذراع التنفيذية لسياسته النقدية التي تتمحور حول استقرار سعر صرف الليرة. هذه السياسة التي كانت أحد الانجازات التي تباهى بها مراراً الرئيس الحريري، بقيت معتمدة حتى اليوم على رغم استشهاد صاحبها قبل 15 عامًا. فهل حان الوقت اليوم للتخلص من آخر معالم حقبة الحريري التي منحت لبنان أعواماً من الاستقرار والنهوض الإعماري ما جذب الأدمغة اللبنانية للعودة من المَهاجر إلى الوطن الذي تحول ساحة رخاء لنحو عقدين تقريباً قبل أن يزحف الانهيار مجددا إلى الوطن؟
كان لافتاً المقال الذي صدر في صحيفة “وول ستريت جورنال” الاميركية قبل أيام يحمل عنواناً يشير إلى أن المصرف المركزي في لبنان يثير “القلق” لجهة ارتباطه بـ”الفساد”. وقال إن المسؤولين في الولايات المتحدة الاميركية ودول غربية أخرى يمارسون الضغوط على المصرف كجزء من الجهد ضد “حزب الله”. وقد رد حاكم المركزي على الصحيفة في مقابلة أجرتها قناة “العربية-الحدث” التلفزيونية، قائلاً: “المقال الذي نشرته صحيفة أميركية غير دقيق. وأتأسف أن أقول إنني سئلت لكي أعلّق على المقال، فأجبت، لكن ورد في المقال إنني رفضت التعليق. إن مصرف لبنان أقر التعميم الرقم 126 الذي فرض على لبنان احترام القوانين والعقوبات في الدول التي يتعامل بعملتها ومع مصارفها، وهو يطبق هذا التعميم بشكل واضح، وبتنسيق دائم مع وزارة الخزانة الاميركية”.
أخطر ما ورد في جواب سلامة، أن الصحيفة الاميركية تجاهلت الرد الذي طلبته منه، وذهبت إلى القول حرفياً: “Mr. Salamé declined interview requests” أي “إن السيد سلامة رفض طلبات إجراء مقابلات معه”. فهل هناك خلفيات وراء ما ذهبت إليه الصحيفة؟
بعض وسائل الاعلام أشارت في معرض الاشارة إلى المقال، إلى أن “وول ستريت جورنال” يملكها القطب الاعلامي روبرت مردوخ الذي هو أيضاً صاحب قناة “فوكس نيوز” التي توصف بأنها يمينية والأشد موالاة للرئيس الاميركي دونالد ترامب. فهل طرأ تحوّل في السياسة الاميركية في آخر أسابيع إدارة الرئيس ترامب، ما جعلها تنقلب من كونها أكثر داعمي النظام المصرفي في لبنان بقيادة البنك المركزي إلى مناهض له؟
من المفارقات التي أشار إليها خبراء تحدثت إليهم “النهار” أن معسكر خصوم حاكم المركزي “تعزز أميركياً بعدما كان مقتصراً على “حزب الله” ومعه عهد الرئيس ميشال عون والقوات اللبنانية”. وسأل هؤلاء: “هل صار رياض سلامة نقطة التقاء بين الأضداد لاستهدافه؟”.
الاسئلة كثيرة التي تتوالى على مسرح التحولات التي تعصف بلبنان، وفي مقدمة هذه التحولات ما يتصل بانهيار السياستَين المالية والنقدية اللّتين سادتا لبنان على مدى ثلاثة عقود تقريباً.
في كتابه الذي حمل عنوان “وراء أسوار مصرف لبنان”، يروي نائب حاكم مصرف لبنان السابق غسان العياش، كيف انطلقت السياسة النقدية التي ما زال سلامة منفِّذاً لها حتى اليوم، فكتب يقول: “إن اختيار رفيق الحريري رئيساً للحكومة تم بشرط أساسي سوري ولبناني، وهو تعهده بوقف انهيار سعر صرف #الليرة اللبنانية، وهذا يفسر لماذا أعطى الحريري موضوع تثبيت سعر صرف الليرة الأولوية المطلقة وبأي ثمن”. أضاف: “استشهد رفيق الحريري في حادث التفجير المفجع، وبقي هذا الهدف يتمتع بالأولوية نفسها في السياسة النقدية وفي السياسة العامة للدولة، وفقاً للقاعدة التي صاغها الرئيس الشهيد”. ويخلص العياش إلى القول: “ترجمة رفيق الحريري لوعده في ما خصّ الاستقرار النقدي اقتضت تغيير حاكمية مصرف لبنان لكي يتمكن رئيس #الحكومة من تعيين فريق جديد على رأس المصرف المركزي يثق بقدرته على تحقيق هذا الهدف. وقد وقع اختياره على رياض سلامة حاكماً جديداً لمصرف لبنان، وهو خبير في الاسواق الدولية جرّبه الحريري في أعماله الخاصة في شركة ميريل لنش في باريس وحقق له أرباحاً مبهرة في فترة وجيزة”.
في مستهل المقابلة التلفزيونية الاخيرة، سئل حاكم مصرف لبنان: كيف يرد على الاتهام بأنه “جزء من المنظومة الفاسدة في لبنان”، فأجاب منفعلاً (وهذه تكاد المرة الاولى التي يظهر في سلامة على هذا النحو من الانفعال) بقوله: “أنا كحاكم للبنك المركزي أقوم بواجباتي في خدمة اللبنانيين. والاتهامات التي سمعتها وترددت لا أعتقد أنها صحيحة. في آخر الطريق نحن بحثنا عن الاستقرار في سعر صرف الليرة وكافحنا من أجله، وهذا يفيد اللبناني، وإذا كنا طوّرنا العمل المصرفي خلال 27 عاماً فهذا يفيد اللبناني. هذا عيب على الذين يقولون إنني في منظومة فاسدة، عيب عليهم أن يقولوا إنني أغطّي الفاسدين”.
قيل الكثير في حسنات السياسة النقدية التي منحت لبنان استقراراً، كما منحت اللبنانيين قدرة شرائية على مدى ربع قرن تقريباً. لكن مع الانهيار الحاصل الآن نقدياً ومالياً، فليس في الصدارة سوى السيئات التي يجري رميها على حاكم المركزي، وكأن من هم في سدة المسؤولية وعلى رأسهم العهد الحالي الذي مضت على ولايته أربعة أعوام “بريء من دم هذا الصدّيق”.
إنه آخر رجالات زمن الرئيس الراحل رفيق الحريري الذين يمارسون دورهم. لكن هذا الرجل هو اليوم مستهدف من طائفة متعددة الجهات. فهل هناك وراء الأكمة ما وراءها؟

لمشاركة الرابط: