حبوبتي كنداكة…بقلم هناء حمزة

“لقد فاقت شجاعة هذه المراة جنسها ” وصف المؤلف الاغريقي استرابون الملكة اماني ريناس الكنداكة السودانية الشهيرة زوجة الملك تريكاس الذي خلفته في العرش بعد مماته، وعلى يدها تم اخضاع اسوان لمملكتها حينما كانت خاضعة لحكم الرومان مما اغضب ملوك الرومان فارسلوا جيوشا لمدينة نبتة حيث اذاقتهم هزيمة ثقيلة أجبرتهم فيها على عقد مصالحة مع الكنداكة ولم يعودوا لمهاجمتها مطلقا.
يشرح لي صديقي السوداني مفهوم كلمة كنداكة بعد ان طلبت توضيحا للكلمة التي سمعتها لاول مرة من تلك السيدة السودانية الانيقة ذات الرداء التقليدي الابيض وحلقات الاذن الذهبية التي اعتلت عرش مواقع التواصل الاجتماعية بعدما اعتلت عرش التحركات الاحتجاجية في السودان لاكتشف ان تاريخ السودان مليء بالكنداكات كما حاضره.
ثلاثة ارباع الثوار هم من النساء يشرح صديقي السوداني صور الاحتجاجات في شوارع المدن السودانية موضحا ان المراة السودانية رائدة في كل مجالات الحياة وهي عماد الثورات ..
تتدلع السيدة السودانية من على ظهر السيارة وهي تقول انا حبوبتي كنداكة اي جدتي كنداكة في اشارة منها لشجاعة أجدادها الملكات السودانيات وتحث المراة السودانية ان تحذو حذو ملكاتها لتاتي اجوبة المتظاهرين وغالبيتهم من النساء”ثورة ثورة ” فتتباع السيدة وهي طالبة جامعية ” الدين بقول الزول ان شاف غلط منكر ما ينكتم يسكت”..ليرتفع الصوت مجددا ” ثورة ثورة”.
منذ ثورات الربيع العربي وانا مثلي مثل الشعوب العربية ترعبني كلمة ثورة بدل من ان تثلج قلبي ” تبدا الثورة جميلة جميلة وتنتهي قبيحة قبيحة ..تقول صديقتي العراقية ..احلى ما في دبي انها تجمعك بكل الشعوب العربية فتصبح قريبا من الم كل منها وان كنت بعيدا عنها…للاسف سرق الربيع العربي امل التغيير منا نحن الشعوب المكسورة وجعلتنا نفضل الواقع المظلم عن ثورة نخاف ان تأتي اشد ظلما منه …
منذ تظاهرات الجزائر وانا اقمع نفسي من التعاطف ومن الامل ..افرح ثم اتذكر فاصمت ..اتمسك ببصيص امل ثم اخاف من ان اغوص في خيبة امل فاسكت..
“الدين بقول الزول ان شاف غلط منكر ما ينكتم يسكت..”اعيد الفيديو واعيده واعيده..لا اشبع منه ..اسقطت تلك الكنداكة السودانية مفهوم المراة الثائرة ذات الشعر القصير والبنطلون العسكري والرشاش القاتل ..انها ثائرة من نوع اخر..ثائرة انثى بكل ما لهذه الكلمة من معنى ..تتغنج ..تتدلع تغطي راسها كلما سقط الغطاء ..ثوبها ابيض ناصع لا دخل له بالبنطلون العسكري وحلقات اذنيها من ذهب السودان الخالص ..احب السودان اشعر بالانتماء الى هذه الثورة …سلمية تقول الشاعرة السودانية ميسون النجومي وهي تشرح وحدتنا في سلميتنا ولن نرفع السلاح بوجه من يختلف معانا …هذا ما يميز الثورة السودانية الانثى ..يقول صديقي السوداني هذه الثورة انثى بامتياز…ابتسم لصديقي واخبره عن معارك تمكين المراة في بلدي ..عن فرض نساء في مقاعد باسم الكوتا ..عن مفهوم مختلف للمراة ..المراة لا تحتاج الى كوتا لتثبت نفسها ولا تحتاج لزعامات تفسح لها الطريق ولا لقادة تسمك بيدها لتقطع الطريق الممهد اصلا لها..المراة تحتاج الى ان تنتمي الى مجتمعها وقضاياه ان تمثل الجانب الانثوي منه فتضيف عليه لطف جنسها…ابتسم لصديقي السوداني .. .بدأ عهد التغيير في السودان اقول له ..يقمع نفسه من الفرح ..الامل ممنوع عندنا نحن العرب…الثورة تبدا جميلة عندنا نحن العرب وتنتهي قبيحة قبيحة …يقول خائفا ..اجيبه انها ثورة أنثى مختلفة… ثورة انثى حبوبتها كنداكة ..ما تنكتم يا زول.. ثورة ثورة .


هناء حمزة*
إعلامية لبنانية مقيمة في دبي

لمشاركة الرابط: