فخامة الرئيس…بقلم روني ألفا

كثُرَت الرسائِلُ المَفتوحَة.لِذا أوجّهها إليكُم يا صاحِبَ الفَخامَة مغلَقَةً كَما أتفُقُنا. تنظرونَ ربّما مِن شباكِ غرفَتِكم في نيويورك.ناسٌ يهروِلونَ بإتِّجاهات مَعروفَة. لسنا مثلُهُم. نحنُ مواطِنون تائِهون في متاهات مَجهولَة.الفِيفْث أَفِنْيو،برودواي، طرقات نظيفة، حركة مرور كثيفَة وسطَ قانون مكثّف الهيبَة. يَدٌ حَمراء تشيرُ للمارَّة أَنْ توقّفوا.لا إشارات مفيدَة في بيروت.مجرَّد مؤشرات حمراء ومواطِنون يهدُسونَ بأسعارِ كتبٍ مستعمَلَة لمقاعِد دراسة أولادِهم.
لَن أتَّهِم.تركتُ هذه الموضَة السَّمِجَة لإميل زولا. بعضُهُم يمتهنُ الرسائِلَ المفتوحَة تَشهيراً وشهرَة .كتابي مغلقٌ مِن حيثُ هوَ لا يبغي الرّبح…مثلُهُ مثل الجمعيات الخيرية.
غداً أو بعدَهُ يسافِرُ إبني إلى أوروبا.أغوتهُ آلِهتُها.سيقعُ حتماً في غرامِ إحدى الشرِكات.ستعقِدُ قرانَها عليه نشلاً.إبنَتي أيضاً.شهادَتُها أشبَه ببطاقَة سَفَر.
ويَصدُفُ أني لستُ وحيداً في مواكَبَة أولادي عندَ رصيف المغادَرَة في مطار رفيق الحَريري الدولي.العديد من الآباء والأمهات على الرصيف عينِه.أكرَهُ بطاقات السّفَر.علّمنا فَخامَة الرئيس أن نسافِرَ إلى الوَطن.
أنا، على فِكرَة، مِن رابِطي الخِيَم في محيطِ القصر. مِن ناظِمي القَصائِد. اعتَقَلتني ميليشيات مرقَّطَة عادَت اليوم إلى كَنفِ الدولَة.
لا كَنَف نعودُ إليه فخامَة الرئيس.فسادٌ في كلّ أوصال الجمهوريَّة التي وُعِدنا بِها. الناس لا يهمّها على مَن تَقَع المسؤوليَّة.لا يهمّهم إذا وَقَعَت المسؤوليَّة أو لَم تقَع. يهمّهم أن يحظوا برتبة مواطِن.المواطِنون المبسوطون على ما يبدو فخامَة الرئيس، هم ضاربو الطّبل ونافِخو الزّمر. الأفراد غير المَحسوبين غير مَحسوبين أصلاً في لائِحَة المواطنَة.
الفساد وارِفٌ في حديقَةِ الدولَة.إحِمِل مِنجَلاً لِقطعِهِ أنَّ ذهبتَ يا فخامَة الرئيس.مِن الحاجِبِ وصولاً إلى أكبَر شَنَب في الدّولَة.الشّنَب يَنمو في دَولتِنا كلّما كان صاحِبُهُ ذَنَب.
عدنا إلى حربِ الصّلاحيّات فخامَة الرّئيس. ليست المسيحيّةُ ديانة صلاحيات.حـتّى البابا فرنسيس لا يريدُ رئيساً للمسيحيين في لبنان. دور الأنبياءِ والرسلِ ولّى في السياسة.صار مادّة للتصوّف ” كما جاءَ في الكُتُب”.لذلك نريدُ رئيساً رسولاً للطائِف.رئيساً أشبَه ب”الأعمال الكامِلَة” للطوائِف المؤسِسة.نريدُهُ أسقُفاً على شاكِلَة كبّوجي، وغريغوار حدّاد، وخليل إبي نادِر.رئيساً بحصَّة مسلِمَة في الحكومَة، لا مسيحيّاً بحصَّة رئاسيَّة.بقيّةُ الأقطاب جاهِزَة للمعامَلَة بالمِثِل. هي خائِفَة فقط. هل تعذرُها يا فَخامَةَ الرئيس وأنتَ عايشتَ خَوفَها ونَطَقتَ بإسمِها مجتمِعَةً يَوما من الأيام؟ الطائِف فخامَة الرئيس لا يتآلَف إلا مع رؤساء يشبهونَه بالسليقَة.فالرئاسَة لَم تعد رئيساً أو شَخصاً. الرئاسَة صارَت دوراً وطنيّاً. أما تعميم ثقافَة الغِبن الطائفي فهو مدخَل لحرب جديدة. لَم نعد نريد حروباً جديدة.الحروب القديمَة تَكفينا.
فخامَة الرئيس،الناس في وادٍ وبعضُ حلقتِكُم الضيِقَة في وادٍ آخَر. ستستَفيقونَ يَوماً على هتافِ الوَجَع وقَد وَصَلَ إلى نافذَةِ غرفَتِكُم.وما يُحكَى في الخَفاء محزِنٌ.ما يُحكى مخجِلٌ.أزلام يستَبيحونَ الدولَةَ.ميليشيا تُصَوَّرُ لَكُم أطهَرَ مِن متطوِّعي جمعيَّة مار مَنصور.جرذانُ تأكلُ مِن لِحمِ أولادِنا. تَدخُلُ مِن ثقوبِ بيوتِنا وتأكلُ السجّادَ وأحرِمَةَ الأولادِ وما تبقَّى مِن مكعّباتِ السكّر في نمليّاتنا القَديمَة.
بإسمكَ ينهَبون.طَغَى الطالِحُ فيهِم على الصالِح.يؤسسونَ لِفتنَةٍ على تخومِ الطائِف.إذا نَجَحوا لَن يَكونَ مؤتمر صِلح جديد قبلَ عشرينَ سنةً.عندَها لا سمَحَ الله سيكونُ المسيحيون أهلَ ذمَّة عندَ أحفاد ناتنياهو.كذّابون، نهّابون،لصوص وسماسِرَة.
فَخامَة الرئيس، يقبلُ المسلِمون ومعَهم شريحَة كبيرَة من المسيحيين الذينَ لَم يشارِكوا في مهزَلَة “الإنجازات” التي تمّ التطبيلُ لَها. يقبلُ هؤلاء وأنا مِنهم بِكل قِوايَ العقليَّة، أن تَكونَ رئيساً مسيحيّاً لمرّة واحِدَة وأخيرة إنقاذاً للمسيحيين: فتّش عَن عَصا السيِّد.أدخُل إلى الهَيكَل.فاجئ باعَة الحَمامِ وجامِعي النقود من العملةِ الصّعبَة. هل أسمَعُكَ تَقولُ:”هذا وَطني وطنُ صلاةٍ وقد جَعلتموهُ مَغارَةً للصوص؟”
روني ألفا*
دكتور في الفلسفة وخبير دولي في التنمية البشرية واعلامي وكاتب لبناني
(الآراء الواردة في النص تعبر عن رأي كاتبها )

لمشاركة الرابط: