في مؤتمر الطب النفسي المنعقد في القاهرة في 14-9-2005 ،كان الطبيب العالمي أوتو ستينفيلد يلقي كلمته عن حقوق اﻹنسان حيث بدأ ينبه بشكل خاص الى خطر قادم أﻻ وهو انتشار اضطرابات الشخصية في المجتمعات ربما بشكل وبائي أكثر من معدﻻتها المعروفة والمتوقعة في المجتمعات اﻹنسانية منذ القدم . والسبب في رأيه أن قيادات العالم لم يعودوا قدوة للناس كما يفترض بالقادة، فهو يرى أن هذه القيادات قد أسقطت من حساباتها الكثير من القيم اﻷخلاقية واختارت مسارات تتسم أغلبها بالخداع والنفعية والكذب والتحايل والسيطرة والبطش واﻷستغلال واﻷبتزاز.
في غير زمان ومكان من عكار في الشمال اللبناني (أرض التيه والنسيان) وقد فعلت البطالة أم المعاصي فعلها، تجد شباناً إنسدت في وجوههم سبل الحياة الكريمة يتسكعون على أرصفة الضياع ، إشتروا خدعة الوعود السياسية لجنة عدن بباهظ الثمن..لما بعد الكفن ، وقد صبوا جام غضبهم على سلطة تخلت ، ونازحين تقطعت بهم السبل يصفونهم ب الجراد.
مؤشرات التفكك الإجتماعي بدأت تظهر على أعين الجميع ، منذ زمن الفجور السياسي والإنحلال النخبوي الثقافي والديني والبلدي والإختياري والإجتماعي…
ترون أننا لا نسقط مصطلح السياسة على الواقع بإعتبارها إدارة للشأن العام ضمن الموارد المتاحة ، بما يحول دون حصول المغامرات في الأمن والإقتصاد والإجتماع.
مهارات الشباب في الحضيض في زمن العولمة وثورة الإتصال والمواصلات، زعامات وجمعيات أهلية ومدنية تتكاثر بإسم التنمية كالطحالب ، وقد اتخذت من التنمية مطية للتكسب المادي والإجتماعي، المزيد من دورات التدريب وحصص (مهن غير قابلة للصرف) الأنكليزية والماكياج والرقص ووجبات (السلفي) مع الأخوة النازحين (مافيا).
التمويل وحده على هذة الحالة لا يصنع الإنماء أيها السادة ولا يخلق فرص عمل للشباب المؤشرات تذهب نحو المزيد من الاستغلال،في لبنان لا يهم أن ترتكب فساداً ، المهم أن لا يعلم به أحد، ثورة الشباب وحركة التغيير قد تؤدي إلى استبدال بعض الوجوه الشاحبة والأحزاب والتيارات السياسية والنماذج الإجتماعية الصفراء ، لكنها ﻻ تؤدي قط إلى إصلاح حقيقي ﻷساليب التفكير، بل إن أوهاما تظهر فتأخذ مكان اﻷوهام القديمة، وتكون أداة لتضييق الخناق على الجماهير المحرومة من التفكير.
ليت الشباب اللبناني يعلم أن الذين يغازلونهم في استحقاقات غب الطلب سيخذلونهم بعد إتمام المناقصات وتوقيع العقود في ساحة النجمة، كما فعلوا دائماً، إنها أيام تقديم الأوراق والعروض لسوق النخاسة السياسية يا عزيزي.
أصبح الكلام عن الإعتدال ومحاربة العنف والتطرف وحماية الشباب في ظل الواقع المشار اليه ممجوجا لدرجة أنه ما عاد يطالب به إلا المجرمون.
فمثلا الإعتدال عند أحدهم أن تقود جولة من العنف يقتل فيها المزيد من الأرقام المهمشة ويعتقل فيها عشرات الشباب بوثيقة اتصال، بل تعتقل فيه جمهورية بأسرها .
والتطرف أن تطالب بحق لك كفلته حقوق الإنسان التي صموا آذاننا بالكلام عنها.
يذكرني هذا الحال بقصة مفادها:
سئل شيخ قبيلة قبل الإسلام: ما العدل عندكم؟
قال : أن أسطو على غنم جاري فآخذها.
فقيل له: إذا كان هذا العدل ، فما الظلم عندكم؟
قال : أن يأتي جاري ويطالب بغنمه.
شكرا لشريعة “شيوخ الطوائف” التي نحظى بشرف الحياة تحت منطقها الراقي، عندما تدهس شبابنا كل يوم تحت حافلة حرمانها..
حين ولدت أيها الشاب (ة) العكاري، أنت أسود ، حين كبرت أنت اسود ، حين تتعرض للشمس أنت أسود ، حين تخاف أنت أسود ، حين تكون مريضاً أنت أسود ، حين تموت أنت أسود.
وأنت أيها السلطوي …حين تولد أنت زهري ، حين تكبرأنت أبيض،حين تتعرض للشمس أنت أحمر، حين تبرد أنت أزرق ، حين تخاف أنت أصفر،حين تمرض أنت أخضر،حين تموت أنت رمادي ، وأنت تصف الشباب العكاري أنه ملوَّن …..؟؟؟
رغم قناعتي أن الجماهير الحقيقية هي الملهمة والمعلمة وشرف لي أن تقبلني واحداً منها بين صفوفها، مع ذلك أعجز عن قول ” عندما تتعثر خطوات أيامكم أيها الشباب العكاري.. وتوشك على الإجهاض..أنقذوها بنفس عميق..يدفعها الى ميلاد يوم اسمه “إنجاز”.
هكذا أيها الشاب العكاري، من ضيع زاده إتكل على زاد غيره،ومن باع الثمين بلا ثمن… إشترى الرخيص بأغلى ثمن.
وأنت تقوم بحركة “كوماندو” نحو لقمة عيشك أو فرصة عمل أو نزوة علم أو تتوسل حقك بدل انتزاعه، إعلم أن الشغور في قصور السلطة ، وهي تعزف على أوتار سمفونيات التخلي عن المواطن خصوصاً في الأطراف التي ربما يكون آخر الحلول لديها البتر الكونفدرالي ، يصح فيهم القول “الضرب في الميت حرام”.
يموت أحد الفقراء ، فيغضب بعض الإعلام والصحافة والكتاب أمثالنا يحرضون ،فتقوم ثورة ، تعصف بالإقتصاد والأمن والإجتماع ، يموت فيها باقي الفقراء.
زياد علوش*
أستاذ جامعي وكاتب وإعلامي
(الأراء الواردة في النص تعبر عن رأي كاتبها فقط )