تزدحم وسائل التواصل الاجتماعي بتعليقات متشابهة كلما عاد صوت فضل شاكر إلى الواجهة: “رجعتنا لأحاسيس الحب.” هذه العبارة البسيطة تختصر حالة جماعية تعيشها مجتمعاتنا: مشاعر الحب لم تختفِ، لكنها غابت طويلًا خلف جدران القسوة والضجيج، لتعود على وقع صوت صادق وأداء مختلف.
سنوات من الحروب والأزمات أرهقت المجتمعات العربية. الهمّ المعيشي اليومي، الغلاء، الخوف من المستقبل، كلها جعلت الرومانسية تبدو ترفًا بعيد المنال. حتى الأغنية العربية، التي كانت تاريخيًا ملاذًا للحب، تراجعت أمام موجة تجارية سريعة الإيقاع، بعيدة عن الصدق، فزاد عطش الجمهور إلى عاطفة حقيقية
في هذا المناخ، ظهر الفنان فضل شاكر ليس كمجرّد مطرب، بل كصوت يذكّر الناس بإنسانيتهم. سلاحه لم يكن بندقية ولا خطابًا صاخبًا، بل أغنية تحمل كلماته البسيطة وصوته الدافئ. ولعل المفارقة أن هذا السلاح الفني بدا أقوى من أي سلاح في البلاد، بل حتى أقوى من أي عقار طبي في مداواة القلوب المتعبة. فما لا يداويه الدواء، يداويه اللحن الصادق.
ولطالما ظهر شاكر مرتديًا نظارة سوداء. للوهلة الأولى قد تبدو تفصيلًا شكليًا، لكنها في نظر جمهوره علامة تخفي نظرة حزينة خلفها، حزنًا راكمته التجارب والتحولات وما أصابه من ظُلم
خلف تلك العدسات، يغنّي فضل شاكر بوجه هادئ وصوت مفعم بالإحساس، وكأن النظارة ليست إلا محاولة لستر الجرح، بينما الأغنية هي الوسيلة الوحيدة للكشف عنه
فالنظارة السوداء التي تخفي نظرة حزينة، والأغنية التي تشفي جرحًا عميقًا، شكّلا معًا صورة فضل شاكر التي لن تتكرر بسهولة. لقد أثبت أن الفن الصادق يمكن أن يكون سلاحًا أقوى من العنف، ودواءً أنفع من أي عقار. ومع كل لحن يعود به إلى الناس، يبرهن أن الحب لم يغب عن أرواحهم يومًا، بل كان في انتظار من يحرّكه بصوت صادق يلامس وجدانهم.
وحين يهمس شاكر “وبقلبي تعا كفي نومك” فهو لا يغني من ورق، بل من قلب مليء بما عاشه هو والناس معًا. هذا الصدق جعل الأغنية عنده تشبه مرآة يرى فيها المستمع نفسه: حبه الضائع، حنينه، خوفه، وحتى دموعه المكبوتة.
شاكر لم يتصنّع صورة “النجم”، بل بقي قريبًا من الناس، رجلًا عاديًا بصوت استثنائي.
يبقى القول أن الشعوب العربية لم تُجرّد من الرومانسية، لكنها دُفنت مؤقتًا تحت ركام الواقع. جاء فضل شاكر ليكشف الغطاء عنها ويعيدها إلى التداول. من هنا يمكن فهم معنى “رجعتنا لأحاسيس الحب يا فضل “، وكأن الشعوب العربية تذكرت فجأة أن في داخلها قلبًا لم يمت بعد








