حكايةُ قبر أُمّي..

كانت والدتي رحمها الله تقولُ لنا في سهراتنا الطويلة : ” إدفنوني بين أهلي لأنني آنَسُ بهم .. فَلَكَمْ أبصرتُ مقبرةَ قريتنا في شبعا بعدَ ذوبان ثلج حرمون تنقلبُ حديقةً غنّاءَ ، تَنْبُتُ في ثناياها أشجارُ الجوز والحور والبيلسان .. وزهر الياسمين .
أوصتني أمي وأنا بعد صغيرة فقالت :” لا تدفنوني بعيداً عن أهلي ولا في مدنِ بعيدة.. لا تجعلوا رُفْاتي تئن شوقاً لزيارتكم لي .. تعلمون أن أرضَ شبعا ألطفُ ملقى وأنقى نسيماً .
وأوصتني كذلك أن اكتب على ضريحها عبارة ” يا ماراً على قبري فكِّر بأمري .. أمس كنتُ مثلك وغداً ستكون مثلي”
لم تعلم أمي أنها ستنتقل إلى رحمة ربها في ظروف صعبة كتلك التي تعيشها بلدتها شبعا .
كان لا بد من تخطي الصعاب والسير تحت هدير طيران والمسيّرات وبين خبايا بنادق الصخور لندفنها حيث أحبت ..
كان لا بد من دفنها في ثرى جبل الشيخ مهما كانت الظروف
وكان لا بد من تحقيق أمنيتها ، هناك حيث رقدت والدتها التي طالما ناجتها في مراحل حياتها الأخيرة .
كان لا بد من إيصال رفاة أمي الى شبعا كي تحتضن فلذة كبدها ووحيدها الذي سبقها الى رحمة رب العالمين ودفن هناك .
كان لا بد من تحقيق مشهدية “العناق” التي رسمها الواقع أمام ناظريّ بألم وغذاها شوقها وسؤالها الدائم عن وحيدها وعن صحته بعد غيابه .
قد يتساءل البعض كيف سيكون شكل قبر الغالية ؟
ولماذا لم يستكمل حتى اللحظة؟
القادم سيكون أجمل! ..
سيكون ضريح أمي بإذن الله روضة صغيرة فيها ينبت الزنبق والريحان والورد الجوري … وزهر الياسمين ونيسان ..!
هنيئاً لتراب شبعا بك يا غالية ..
وهنيًئاً لمن جاوركِ يا حبيبة
سنزورك قريباً بإذن الله ، وسيرحل كل عدو متربص بنا هناك ، وسنعود إليكِ مع شتول الحبق والياسمين لنحقق وعدنا لك عند رب الأنام .
ستفخرين بنا نحن بناتك وأحفادك وحفيداتك ، وستقولين لزوارك “الذين يتساءلون” أنكِ كنتِ مثالاً للأم المتفانية والرشيدة .
انتظرينا … هناك تحت أشجار الجوز في حضن جبل حرمون ، وقرب نبع عين الجوز .. وبين صخور الصوّان !
اللهم أرسل فيض رحمتك على ضريح أمي وعلى أضرحة من جاورها من الأقارب والأصحاب والجيران ، وأكرم وفادتها وأنزلها منازل الأبرار والأخيار إنك سميع قريب مجيب الدعاء .
[email protected]

لمشاركة الرابط: