في لبنان، لا حدود للغرابة. بلدٌ كلّ ما فيه استثنائي، من أزماته إلى ابتكاراته، من فوضاه إلى عبقريّاته. وسط الانهيارات المتتالية التي يعيشها اللبنانيّ يوميًا — وعلى رأسها أزمة الكهرباء التي باتت من “المعالم الوطنية” — يطلّ علينا ابتكار جديد يثير الدهشة والضحك في آن واحد: تطبيق إلكتروني يحمل اسم “راحت الكهربا”.
نعم، لم تخطئوا القراءة! تطبيق مخصّص لإخبار المواطنين متى جاءت الكهرباء ومتى انقطعت، في مختلف المناطق اللبنانية، ولا سيّما في أحياء العاصمة بيروت. كلّ ما عليك فعله هو تحميل التطبيق على هاتفك المحمول، وإدخال عنوان سكنك، ليصلك إشعار دقيق يخبرك إن كانت النعمة قد حلّت على منطقتك أم أنّ العتمة ما زالت سيدة الموقف.
في بلدان العالم، تُبتكر التطبيقات لتسهيل الحياة، لتنظيم المواصلات، أو لتأمين الخدمات بكفاءة. أما في لبنان، فالتكنولوجيا تتأقلم مع الأزمات وتحوّل المعاناة اليومية إلى “خدمة رقمية”! صارت الكهرباء حدثًا، وانقطاعها معلومة، وعودتها خبرًا يستحق التنبيه الفوري!
الأدهى من ذلك أن اللبنانيّ، بطبيعته الساخرة والمعتادة على الصدمات، استقبل الفكرة بابتسامة. بعضهم اعتبرها دليلًا على “الذكاء اللبناني”، وآخرون رأوا فيها مرآة لواقعٍ يُختصر بجملة واحدة: نعيش في بلدٍ يبتكر أدوات لتنظيم الانقطاع بدل معالجة سببه!
من المفارقات أنّ هذا التطبيق قد يجد رواجًا واسعًا، لأنّ المواطن المرهق بالكهرباء والمولّد والفاتورتين، صار يبحث عن أي وسيلة تمنحه إحساسًا بالتنظيم أو السيطرة على فوضى العتمة. وبينما تطمح الدول إلى بلوغ “التحوّل الرقمي”، يبدو أنّ لبنان بلغ “التحايل الرقمي” — حيث تُترجم الأزمات إلى أفكار مبدعة، ولو على حساب المنطق.
ويبقى السؤال الأعمق: أيّ بلد هذا الذي يجعل من انقطاع الكهرباء مادة لتطبيق ذكي؟ وأيّ شعب هذا الذي يتعامل مع الحرمان كحدث عادي يواكبه بالإشعارات والتنبيهات؟
في النهاية، قد لا نعرف متى ستعود الكهرباء فعليًا، لكننا بتنا نعرف بالتأكيد متى “راحت الكهربا”
إكرام صعب
[email protected]







