دراستان عن جامعة بيروت العربية : سوء التخطيط والعرض يهددان مهنة الصيدلة في لبنان !

كشفت كلية الصيدلة في جامعة بيروت العربية عن نتائج مقلقة بشأن واقع مهنة الصيدلة في لبنان ومستقبلها والتحديات التي تواجهها وفق الأرقام التي أظهرت إرتفاعاً في معدلات الصيادلة بالنسبة لعدد السكان وضيقاً في أفق الممارسة مع غياب التخطيط الصحي والتشريعات اللازمة لذلك.
واعتمدت الكلية على دراستين مشتركتين حول قطاع مهنة الصيدلة في لبنان نشرتا في مجلتين علميتين مرموقتين قام بهما باحثان من جامعتي بيروت العربية والأميركية في بيروت ، وارتكزتا على تحليل قاعدة بيانات الصيادلة المسجلين في النقابة من عام 1954 حتى عام 2018 ومقابلات مع مصادر المعلومات ومتخذي القرار في قطاع الصيدلة.
ونبهت الدراسة الأولى التي قام بها الدكتور محمد علي حجازي من كلية الصيدلة في جامعة بيروت العربية والدكتورمحمد علم الدين من الجامعة الأميركية في بيروت ونشرت في مجلة Human Resources for Health إلى التحديات التي باتت تواجه مهنة الصيدلة بسبب عدم التخطيط الصحيح والعرض غير المستند الى الحاجة المجتمعية والسكانية.
أعلى نسبة صيادلة في العالم ..!!
ويظهر تحليل البيانات أن في لبنان أعلى معدل صيادلة نسبة للسكان في العالم إذ تخطى نسبة 20 صيدلي لكل عشرة آلاف مواطن في حين بلغ المعدل العالمي المسجل عام 2017 نسبة 5 صيادلة لكل عشرة آلاف مواطن ، ويتخطى لبنان في هذا المعدل معظم دول منظمة التعاون والتنمية (OECD) مع فارق كبير بينه وبين الدول المتقدمة مثل فرنسا (11.2) والولايات المتحدة (9.2 ) وكندا ( 10.4 ) والمملكة المتحدة (8.3 ) وألمانيا ( 6.4)
كذلك كشفت الدراسة تكدُّس الصيدليات بشكل غير متوازن حيث بلغت النسبة 7.3 صيدلية لكل عشرة آلاف شخص (أي صيدلية لكل 1350 مواطن) وهو أعلى بثلاثة أضعاف عن المعدلات العالمية حيث يصل متوسط دول الOECD الى 2.5 صيدلية لكل 4000 مواطن ، وفي فرنسا (3.4 ) وكندا (2.6 ) وألمانيا (2.2 ) والمملكة المتحدة (2.2 ) .
ومن المفارقات التي أظهرتها الدراسة غياب الدور الإكلينيكي للصيادلة حيث أن نسبة الصيادلة في المستشفيات خجولة جدا (1.7 صيدلي لكل 100 سرير) مما يثير تساؤلاً عن من يشرف على صرف الدواء داخل المستشفيات وما قد يترتب عليه من مخاطر على صحة المرضى.
هذه التساؤلات تنسحب أيضا على صيادلة المجتمع حيث تظهر الأرقام تواجد ما معدله صيدلي واحد داخل كل صيدلية مع دوامات عمل طويلة ومليئة بالأعباء والتحديات مما قد يحول من قدرة الصيدلي على تقديم الرعاية الصحية والتعليمية والإستشارية للمرضى والإكتفاء بدور نمطي كصرف الأدوية.
ويحتاج الصيادلة وفق نتائج الدراسة إلى إعادة تخطيط وتنظيم المهنة وتطوير المنظومة الصحية بقوانين وإجراءات سريعة وحديثة تتعاون فيها كل الجهات الحكومية والنقابية والمنظمات الصحية الفاعلة لتكون صحة المريض هي الأولوية ولتحقق الأمن الصحي والدوائي للمجتمع.
الدراسة الثانية : توسيع الإستثمار في القطاعات الصيدلانية
وأظهرت دراسة ثانية قام بها نفس الباحثين (الدكتور محمد علي حجازي من جامعة بيروت العربية ومحمد علم الدين من الجامعة الأميركية في بيروت) نشرت في المجلة العلمية PLOS ONE الى اختصار ممارسة الصيدلة في لبنان وخنقها في قطاعين فقط: الصيدليات (64%) وشركات الدعاية الدوائية (24%) ، مما يظهر الحاجة الملحة الى توسيع الإستثمار في القطاعات الصيدلانية المختلفة مثل الصناعة الدوائية ، الصيدلة الإكلينيكية والإستشفائية والتعليم والبحث العلمي وما له من انعكاسات إيجابية على صحة المجتمع وأمنه الصحي.
وعزت الدراسة اختلال ميزان العرض والطلب في القطاع الصيدلي الى ضعف تخطيط القوى العاملة في الصحة في لبنان وسهولة دمج الصيادلة الوافدين من خارج لبنان (يشكلون 30% من الصيادلة) وإعطائهم حق ممارسة المهنة بمجرد امتحان بسيط يسهل اجتيازه مع غياب أي اتفاقيات أوتفاهمات لتسهيل عمل الصيادلة خارج لبنان (فقط 8% من الصيادية يعملون في الخارج) مع العلم أن التعليم الصيدلي في لبنان يمتاز بالجودة العالية ويحظى بإعتمادات دولية مرموقة.
ووفق الدراسة فإن سوء تنظيم المهنة يرجع الى ضعف القوانين وغياب التشريعات اللازمة فهي إما قوانين قديمة جداً أو أنها لا تطبق بشكل جيد أو تحتاج الى تطوير لتواكب التحول والتطور في الممارسة الصحية حول العالم. يضاف الى ذلك عدم وجود رقابة على الممارسات الصيدلانية ووجود خلل في القطاع الحكومي وربما تضارب مصالح يحول دون هذه التشريعات.
مهنة الصيدلة والتحديات … وباء كورونا
وقد لاحظت كلا الدراستين ضغوطات عالية وبيئة مليئة بالتحديات بالنسبة للصيادلة في لبنان ، ما يهدد مستقبل المهنة ورسالة الصيادلة في لبنان. هذه الضغوطات أُثقلت في الآونة الأخيرة بتحديات مستجدة مثل جائحة كورونا ، وإنهيار سعر صرف العملة المحلية ، وتخفيض أسعار الدواء دون تخطيط ، وانقطاع الأدوية وغيرها من المخاطر الأمنية مما أدى الى إقفال أكثر من 600 صيدلية في عام 2020 (حسب نقابة الصيادلة في لبنان) ومن المتوقع أن تتفاقم الأزمة أكثر في الأشهر المقبلة ما لم يتم المبادرة الى أجراء الأصلاحات اللازمة.
ويسود معظم الصيادلة في لبنان شعور بالإستياء والإحباط في ظل عدم القدرة على تحمل الأكلاف التشغيلية والمعيشية مع الإرتفاع الهائل بسعر صرف الدولار (تجاوز ال 13000 ليرة للدولار الواحد وقت الدراسة) بينما لا تزال عمولتهم تحتسب على سعر 1500 ليرة للدولار الواحد ، ما بات يهدد قدرتهم على الإستمرار بالقيام بواجباتهم ومسؤولياتهم الصحية تجاه المرضى والمجتمع.
خلاصات ونتائج
ودعت الدراسة الى تضافر جهود المعنيين في هذا القطاع لتطوير القوانين وتنظيم إدارة القوى العاملة وتوجيه الإستثمارات نحو القطاعات الصيدلانية وتوسيع أفق الممارسة المهنية ومعالجة التحديات المذكورة وهو ما قد يساهم ليس فقط بتطوير مهنة تشكل الحارس للبوابة الصحية للمجتمع والتي باتت مهددة بصميم مهمتها ، بل الى تطوير المنظومة الصحية ورفع مستوى السلامة الصحية والدوائية في المجتمع اللبناني وينعكس ايجاباً على صحة المواطن وخفض كلفة الفاتورة الدوائية وتقليل المخاطر الصحية الدوائية التي تهدد الكيان اللبناني.
المصدر : خاص

لمشاركة الرابط: