تعد المضاعفات التخثرية في الدم (الإرقاء) لدى مرضى كوفيد-19 شائعة، وتسهم في فشل الأعضاء في قيامها بوظائفها، وقد تتسبب بوفاتهم، إذْ يعاني المرضى المصابون بكوفيد-19 الشديد من تشوهات تخثر تحاكي اعتلال التخثر المنتشر داخل الأوعية المرتبط بالإنتان، مع اختلاف رئيسي بينهما هو زيادة خطر الإصابة بتجلط الدم (في الحالة الأولى) بدلاً من النزيف (في الحالة الثانية).
سنسلط الضوء في هذا المقال على آخر وأحدث ما توصل إليه الباحثون والعلماء حول معرفتهم كيف يؤثر فيروس كورونا على تلف الصفيحات الدموية، وبالتالي فإنّ المرضى المصابين بفيروس كورونا سيعانون من فشل عضوي متعدد وتجلط، بما في ذلك احتشاء عضلة القلب والسكتة الدماغية.
* دور الصفيحات الدموية
تعدّ الصفيحات الدموية خط دفاع الجسم الأول ضد تلف الأوعية الدموية، وقد أظهرت دراسة حديثة في مجلة Blood أن كوفيد-19 تسبب تلف الصفيحات الدموية والخلل الوظيفي، ومن شأن الإصابة الإضافية للخلايا البطانية [وهي الخلايا التي تبطن الأوعية الدموية والليمفاوية] أن تساهم في تفاقم نتيجة كوفيد-19، ويبدو أنها مرتبطة بالمرض الشديد والموت، وتعمل الصفيحات الدموية والخلايا البطانية بشكل وثيق للحفاظ على تدفق الدم بسلاسة وبشكل طبيعي، ويتم تعطيل كلاهما بسبب كوفيد-19 إلى جانب الالتهاب وتجلط الدم.
* ما هو التعبير الجيني؟
لقد اكتشف الباحثون أن فيروس كورونا يتسبب بإحداث تعبير جيني قوي وتغيرات وظيفية في الصفيحات الدموية، إذْ يمكن من خلال التعبير الجيني أن يقوم الفيروس بعملية استخدام المعلومات الجينية لاصطناع منتجات جينية وظيفية تخدمه، وهذه المنتجات قد تكون بروتينات، أو قد تكون أحد الأنواع متعددة الأحماض النووية الريبوزية، مثل RNA الريبوسومي، وRNA الناقل وRNA النووي الصغير، ونتيجةً لظهور هذه المنتجات يحدث فرط نشاط في الصفيحات الدموية قد يساهم في الإصابة بالفسيولوجيا المرضية لـكوفيد-19 عن طريق زيادة تفاعلات الصفيحات الدموية مع كريات الدم البيضاء.
في دراسة نشرت في سبتمبر/ 2020، وجد الباحثون حدوث تغير في التعبير الجيني للصفيحات الدموية والاستجابات الوظيفية لدى المرضى المصابين بكوفيد-19 مقارنة بالأصحاء، وقد أظهر تسلسل الحمض النووي الريبي تغيرات واضحة في التعبير الجيني للصفيحات الدموية المنتشرة عند مرضى كوفيد-19.
* لماذا تتخثر الصفيحات الدموية عند الإصابة بكوفيد-19؟
لقد افترضت عدة آليات لتفسير حدوث النقص في الصفيحات الدموية المرتبط بكوفيد-19، ولكن ما زال الموضوع يحتاج لمزيد من البحث، فالأمر لا يتعلق فقط بتلف بطانة الأوعية الدموية وتراكم الصفيحات الدموية في الرئة وحسب، وإنما سيؤثر في النخاع الشوكي والتخلص من العوامل المناعية المساهمة المحتملة أيضاً، وقد اقترح أحد الباحثين أن الصفيحات الدموية يستنزف عددها لتكوين جلطة رئوية، مع تأثير محتمل مضاد للعدوى، وذلك بهدف منع انتشار الفيروس عبر مجرى الدم. كما أظهرت المجلة الأميركية لعلم الأمراض السريرية وجود تراكمات كبيرة من الصفيحات الدموية داخل الأوعية في عينات الرئة عند تشريح الجثة المصابة بكوفيد-19، وقد كانت تقع بشكل أساسي في الشعيرات الدموية بين الحويصلات الرئوية والأوعية الأصغر؛ ومع ذلك، فإن درجة ترسب الصفيحات الدموية لا تزيد عما يُلاحظ في حالات العدوى الرئوية القاتلة الأخرى، وتجدر الإشارة إلى أن أيا من مرضى كوفيد-19 الذين تم تقييمهم ودراستهم لم يكن لديه نقص في الصفيحات.
وبالإضافة إلى دورها التقليدي في التجلط، فإن الصفيحات الدموية تتوسط في الجوانب الرئيسية للالتهابات والعمليات المناعية، ولها دور في مستقبلات اللاكتين من النوع C، والمستقبلات المرتبطة بالنوكليوتيدات، إذْ بمجرد أن تستشعر الصفيحات الدموية ظهور مسببات الأمراض الغازية للجسم، فإنها تتوسط الاستجابات المناعية بشكل غير مباشر من خلال إطلاق مواد اسمها السيتوكينات والببتيدات المضادة للميكروبات، ومن خلال التفاعل مباشرة مع الخلايا الوحيدة والخلايا الليمفاوية من أجل تضخيم الاستجابة المناعية في الجسم، حيث إنّ تنشيط الصفيحات الدموية يحدث غالباً كردِّ فعل تجاه الغزو الفيروسي أو البكتيري.
وكثيراً ما ترتبط مسببات الأمراض الالتهابية والمعدية باستجابة تخثرية تسمى (التخثر المناعي)، وقد يؤدي هذا التخثر المناعي إلى عمليات مناعية وظهور خثارة ضارة، وبالتالي يسهم في نتائج سريرية سلبية مثل تجلط الأوعية الدموية وفشل الأعضاء والوفاة.
وقد أظهر الفحص الدقيق أن البنية التحتية للصفيحات الدموية كانت سليمة أثناء عدوى كوفيد-19، لكنها كانت شديدة النشاط، كما يتضح من زيادة تعبير P-selectin السطحي بشكل أساسي وعند التحفيز، وحدوث أكبر لتجمعات الصفيحات الدموية والكريات البيضاء (PLA). وقد أظهرت الصفيحات الدموية في مرضى كوفيد-19 أيضاً زيادة في التراكم والالتصاق والانتشار. كانت هذه الاستجابات مفرطة النشاط مدفوعة جزئياً من خلال زيادة توليد وإطلاق مادة اسمها (الثرموبوكسان A2). الأمر الذي يوفر دليلاً جديداً على أن التعبير الجيني للصفيحات الدموية قد جرى تغييره وأن الاستجابات الوظيفية تزداد بشكل كبير أثناء عدوى كوفيد-19. ويفترض الباحثون أن هذه التغييرات قد تساهم في حدوث التجلط لدى مرضى كوفيد-19.
ارتبطت الجلطات الدموية الواسعة النطاق في كل من الأوعية الدموية الكبيرة والصغيرة في الرئتين وفي جميع أنحاء العديد من الأعضاء الرئيسية في الجسم بنتائج أسوأ لدى المرضى في المستشفى المصابين بعدوى كوفيد-19 الشديدة، كما أكد الباحثون أن كلاً من الصفيحات الدموية والخلل الوظيفي البطاني من المكونات الرئيسية للأمراض المرتبطة بكوفيد-19.
كما شرح الفريق أيضاً الآليات التي قد تفسر مساهمة عوامل الخطر القلبية الوعائية عند الإصابة بكوفيد-19؛ فالمرضى الذين يعانون من عوامل الخطر مثل داء السكري والشيخوخة والسمنة يعانون بالفعل من خلل في الصفيحات الدموية والبطانة، وعندما يتفاقم بسبب بكوفيد-يمكن أن يؤدي ذلك إلى تجلط كارثي وزيادة خطر الوفاة.
ومن خلال فهم القوى العديدة التي تتضافر لتعزيز التجلط في كوفيد-19، يمكننا إدارة أوبئة فيروس كورونا الحالية والمستقبلية بشكل أفضل، وقد توفر معالجة ظهور الجلطات المفرط والمرض البطاني الحاد استراتيجيات علاجية إضافية من شأنها أن تفيد المرضى المعرضين لمخاطر عالية، والعديد من الأدوية المعتمدة من إدارة الغذاء والدواء الأميركية والتي تستهدف هذه الخلايا قيد الدراسة حالياً لاستخدامها ضد كوفيد-19، وقد استنتج الباحثون أن الجمع بين العلاجات يمكن أن يكون أكثر نجاحاً أيضاً.
* من هم الأشخاص الأكثر عرضة لتلف الصفيحات الدموية؟
إنّ المرضى الذين يعانون من عوامل الخطر القلبية الوعائية مثل السمنة والسكري وارتفاع ضغط الدم معرضون بشكل متزايد لخطر الإصابة بمضاعفات الجلطة نتيجة تلف الصفيحات الدموية، وتقدر نسبتهم بين (20٪ إلى 30٪) من مرضى كوفيد-19، وهم من الذين يعانون من تجلط الدم أثناء الإصابة بفيروس كورونا.
وقد يتفاقم الالتهاب أيضاً لدى المرضى الذين يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية، وكلها مرتبطة بفرط نشاط الصفيحات الدموية الأساسي. كما أظهرت الدراسات أن المرضى الذين يعانون من هذه الأمراض المصاحبة يعانون من مضاعفات كوفيد-19 الشديدة ولديهم نتائج أسوأ.
ولاحظت دراسة أن زيادة تنشيط الصفيحات الدموية وتراكم الصفيحات الدموية أحادية الخلية يظهران عند مرضى كوفيد-19 الحاد، وقد زادا عند المرضى الذين يحتاجون إلى تهوية ميكانيكية أو المرضى الذين تطوروا مع الوفيات داخل المستشفى. ولكن ليس عند المرضى الذين يعانون من متلازمة كوفيد-19 الخفيفة. بالإضافة إلى ذلك، أدى التعرض للبلازما من مرضى كوفيد-19 الحاد إلى زيادة تنشيط الصفيحات الدموية خارج الجسم الحي.
كما كشفت دراسة أن العمر له دور هام في التسبب في مرض كوفيد -19؛ إذْ يمكن أن يعاني المرضى الصغار الذين ليس لديهم استعداد للإصابة باعتلال التخثر، واعتلال الصفيحات الدموية، واعتلال البطانة، ومتلازمة التهابية متميزة متعددة الأنظمة تشمل متلازمة شبيهة بمرض كاواساكي لدى الأفراد الصغار جداً.
* لماذا درس الباحثون تلف الصفيحات الدموية؟
كان السبب الذي جعل الباحثين يسلطون الضوء على تلف الصفيحات الدموية هو عثورهم على دليل حديث يُظهر أن الخلايا العملاقة، المكونة من الخلايا الأولية للصفيحات الدموية، موجودة في الأنسجة الرئوية والقلبية في جثث المرضى الذين استسلموا لكوفيد-19.
هذا وتشير البيانات مجتمعة إلى أن تلف الصفيحات الدموية يكون في مقدمة مسببات مرض كوفيد-19، حيث تطلق مجموعات مختلفة من الجزيئات خلال مراحل المرض المختلفة.
وبالتالي، قد يكون للصفيحات الدموية القدرة على المساهمة في التهاب الخثرة في كوفيد-19، وقد يؤدي تثبيط المسارات المتعلقة بتنشيط الصفيحات الدموية إلى تحسين النتائج خلال كوفيد-19.
* هل يفيدنا تناول المميعات ومضادات التخثر؟
لقد تبين للباحثين أن المعالجة المسبقة للصفيحات الدموية للمرضى المصابين بكوفيد-19 بالأسبرين (وهو مميع شائع) تلغي هذا النشاط المفرط، مما يدعم زيادة توليد الثرموبوكسان بوصفه مسؤولاً عن فرط نشاط الصفيحات الدموية أثناء الإصابة بكوفيد-19. بمعنى آخر، يمكن للأسبرين أن يقللّ من فرط نشاط الصفيحات الدموية لدى المرضى المصابين بكوفيد-19.
لكن وفقاً لدراسة نشرات في 1/ ديسمبر/ 2020، فقد كان الباحثون في بداية الجائحة يعتقدون أن جلطات الدم قد تتسبب في التدهور الوظيفي الشديد للجهاز التنفسي وغيره من الأعضاء الحيوية في الجسم التي تتأثر مباشرةً بفيروس كورونا، وبناءً على ذلك لجأوا إلى استخدام مضادات التخثر الفموية للوقاية من تجلط الدم، وهي أدوية تستخدم عادةً في علاج الرجفان الأذيني لمنع تخثر الدم، لكن تبين لهم حالياً أن المرضى الذين يتناولونها لن يكونوا محميين من الإصابة بكوفيد-19 الشديد.
* الخلاصة
من المعروف أن الصفيحات الدموية تقوم بدور هام في تطوير المضاعفات التخثرية للدم، كما أن الصفيحات الدموية تعد جسراً مهماً بين جهاز التخثر والدفاع المناعي، والوقوف معاً ضد الأمراض الفيروسية والجرثومية.
وقد كشف البحث العلمي أن كوفيد-19 يغير بشكل كبير التعبير الجيني للصفيحات الدموية ويؤدي إلى فرط نشاط قوي في الصفيحات الدموية، الأمر الذي يفاقم من حالات الأشخاص المصابين بأمراض خطيرة وقد يتسبب بوفاتهم.
لذلك يبقى درهم وقاية من فيروس كورونا خير من قنطار علاج. وينصح قبل تناول أي مميعات أو مضادات تخثر باستشارة الطبيب.
شو بخبرك عن بيت من لبنان !
يقول الفنان وديع الصافي في رائعة من أجمل أغانيه ” بيتي ما برضى يسيب بيتي أنا سلاحو .. ما بتركو للديب ولا بعير مفتاحو” من المؤسف القول أن بيوت العديد من اللبنانيين اليوم “تركت للديب” وضاعت مفاتيحها … وما أدراك ماذا فعل بها ” الديب” ؟ يعرف البيت اللبناني الأصيل ليس من حجارته المقصوبة فحسب
Read More