افتتحت الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا (AUST) موسمها الثقافي للعام 2016-2017، بنشاط تكريمي ثقافي وهو زرع تمثال المفكر والديبلوماسي والسياسي والمساهم في وضع شرعة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة اللبناني الكبير الدكتور شارل مالك. وهو التمثال الخامس المزروع في “حديقة المبدعين” في الجامعة إلى جانب تماثيل كل من: الأديب والمفكر اللبناني العالمي جبران خليل جبران، الطبيب اللبناني العالمي مايكل دبغي، شاعر لبنان سعيد عقل، وعميد الصحافة اللبنانية غسان تويني.
وفي المناسبة، أقيمت ندوة عن المكرم حضرها جمع من الديبلوماسيين والسياسيين والأكاديميين والمثقفين ووفود من المهتمين بشارل مالك من مؤسسات وجمعيات، منها مؤسسة الفكر اللبناني في جامعة سيدة اللويزة التي تعنى بتوثيق إرث مالك الفكري، والهيئتان الإدارية والتعليمية في الجامعة، إلى عائلة المكرم وأصدقائه.
أدارت الندوة مديرة الدائرة الإعلامية والعلاقات العامة في الجامعة ماجدة داغر، وكانت كلمات وشهادات في المكرم من: رئيسة الجامعة السيدة هيام صقر، السفير الدكتور جوي تابت، رئيس كلية اللاهوت للشرق الأدنى الدكتور جورج صبرا، الباحث في مؤسسة الفكر اللبناني الأستاذ طوني نصرالله والدكتور حبيب شارل مالك.
هيام صقر
وفي كلمتها، استذكرت السيدة صقر معرفتها بالمكرم عندما كان استاذها في الجامعة الأميركية في بيروت، وقالت: “هو عملاق من بلادي، يعزى له الفضل الاكبر في الافكار والصياغة لشرعة حقوق الانسان التي اعتبرت أن للانسان حقوقا بمجرد أن يولد، حق الحياة والطبابة وحرية المعتقد والايمان وحرية التنقل وحق التعلم وحق البيئة النظيفة والماء النظيف والهواء النظيف وحق العيش الكريم. وبالرغم من فكره الرائد والثاقب كان المؤمن والمتواضع الذي يواظب على الصلاة وكم سمعناه يقول ” أعطني يا رب أن أملك ايمان فلاح بسيط في أعلى قرية من قرى لبنان”
أضافت صقر:”ليس احتفالنا اليوم بالكبير شارل مالك بعيدا من أهداف جامعتنا. ففي رسالتها الأساسية التي على أساسها بنينا غاية إنشائها، إدخال حقوق الإنسان برنامجا أكاديميا مستقلا بين اختصاصات الجامعة، كي ينشأ طلابنا على هذا النهج فيما يواصلون تحصيلهم العلمي أيًا يكن الاختصاص الذي اختاروه. من هذا المنطلق، يأتي احتفاؤُنا بشارل مالك رائدا نهج حقوق الإنسان، والمقرر الأول للجنة التي تولت صياغة الشرعة فكان إطلاقها في 10 كانون الأول 1948 حدثا عظيما للانسانية جمعاء”.
تابت
وتحدث السفير تابت مهنئا الرئيسة السيدة هيام صقر، شاكرا الجامعة “على المبادرة الوطنية المميزة التي قامت بها وتقوم منذ سنوات، ألا وهي تجسيد محبتها لوطننا لبنان بتخليدها ذكرى عظماء من لبنان فتقيم لهم تماثيل تزين بها مداخل الجامعة. اشكرها بصورة خاصة على تكريمها اليوم، مرشدي وصديقي العبقري اللبناني العالمي الدكتور شارل مالك (ابو حبيب) الذي بوهج عقله المجنح ملأ القارات الخمس، رافعا اسم لبنان الى اعلى المراتب التي يستحقها. لقد ذكر الدكتور شارل مالك العالم بدور وفضل لبنان في صنع تاريخ الحضارة المتراكمة طيلة ستة آلاف سنة”.
وأضاف:” شارل مالك، عبقري، صعب، والكلام عنه أصعب، لأن عبقريته ثابتة ومركزة وموزعة بالتساوي بين مواهبه. فهو ليس عبقريا بعقله وحسب، انما ايضا بباقي مواهبه: عبقري بعقله وبفكره، بمحبته، بإنسانيته، بوطنيته، بلبنانيته. أعتز بمعرفتي الجيدة به وملازمتي له كمرشد لي وقدوة وصديق واخ له وللسيدة ايفا طيلة 28″.
وتحدث عن مالك الفيلسوف والمساهم في شرعة حقوق الإنسان، وعن مبادئه الفكرية وعن لبنانيته الصميمة وعن عائلته وجوانب متعددة من حياته.
شهادة
أما الدكتور صبرا فأدلى بشهادة عن أستاذه ومعلمه شارل مالك، فقال:”اعتبر نفسي منعما عليه لأني تتلمذت على شارل مالك ولأنني استطيع أن أضيف اسمي الى لائحة طلابه ومن تأثروا به – وأنا لا أساوي نفسي بهم ولا اضع نفسي في مصافهم، بل شرف لي أن يرد اسمي – ولو احصائيا – مع اسمائهم – عنيت شخصيات وعقولا لبنانية وعربية مميزة من أمثال الأب عفيف عسيران، سعيد ابو علوان، فخري معلوف، البرت حوراني، يوسف الخال، ماجد فخري، فايز صايغ، هشام شرابي، حبيب هزيم (لاحقا البطريرك الراحل اغناطيوس الرابع)، غسان تويني، أديب صعب، وغيرهم”.
وتابع: “قبل أن يكون ديبلوماسيا ورجل سياسة كان شارل مالك وظل طوال حياته معلما، مربيا (educator) . آمن شارل مالك أن نشدان الحقيقة يفترض الانغماس في تراث متراكم لخمسة آلاف سنة، والخلق والعطاء الحقيقيان خارج هذا التراث المتواصل المتراكم مستحيلان. وهذا التراث الحي المتواصل “ينقل بالتعليم والقدوة من جيل الى جيل. (المقدمة 404).أهم حدث في حياة المفكر هو الصلة الحية التي كونته وقدحت فيه شرارة العقل والإبداع… “المهم”، كان يقول، “عمن اخذت الشعلة ومن قدح الشرارة فيك”. (415) السؤال الأهم هو اذا “من هو معلمك وما هي مراجعك؟”(414)(…)”.
نصر الله
وتحدث الباحث نصرالله عن مالك قائلا: “في سيرة شارل مالك وأعماله جوانب عديدة وهامة كل منها يستأهل دراسات معمقة. فلشارل مالك الفيلسوف كتابات رائدة. ولمالك السياسي مواقف هامة ساهمت في صناعة تاريخ لبنان الحديث، وتأملات روحية مسيحية عميقة منها ما نشر ومنها ما زال مخطوطا. وكذلك ترك لنا كتابات في المسكونيات أي في وحدة المسيحيين، وله أعمال فعالة في هذا المضمار على مستوى لقاءات بطاركة وبابوات. وله أيضا دراسات وأقوال نبوية في مسائل الشرق والغرب في إطار الحرب الباردة.
أما في كلمتي فسأتناول مالك الديبلوماسي، مع تركيز على مساهمته في كتابة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته الأمم المتحدة سنة 1948. قد يكون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أهم وثيقة كتبت في القرن العشرين إذا ما قيست بعدد الإستشهادات النصية المقتبسة منها، وبعدد ترجماتها وانتشارها وتأثيرها على دساتير الدول وسياساتها ومصيرها وإسقاط حكومات واندلاع ثورات باسمها. كذلك كتب المعلم مالك المادة 18 من الإعلان وهي المادة عن حرية المعتقد وحرية الضمير، بحيث تضمن هذه المادة حقوق من يشاء تغيير انتمائه الديني من دون قيد أوشرط، أرضاء للضمير”.
كلمة العائلة
وفي الختام، كانت كلمة العائلة لنجل المكرم الدكتور حبيب شارل مالك، تحدث فيها عن والده القدوة وعن جوانب من مسيرته، وشكر الجامعة على مبادرتها المهمة، كما شكر كل المؤسسات والأفراد الذين كرموا والده ليبقى ذكره خالدا”.
ازاحة الستارة
ثم توجه الجميع إلى حديقة المبدعين في الجامعة وأزاحوا الستارة عن تمثال شارل مالك الذي نحته في الصخر الفنانون الإخوة عساف، على وقع تسجيل صوتي للمكرم في حضور الضيوف والطلاب والأساتذة، وقدمت الجامعة للحاضرين نبتة زيتون هدية ذكرى في المناسبة.