في رحاب العلامة عيسى إسكندر المعلوف : معرض مخطوطات نادرة في الجامعة الأميركية

عودةٌ مباشرة إلى زمن النهضة العربية أواخر فترة الحُكم العثماني؛ وثائق ومخطوطات وصُور تُؤرشِف لحقبة كان فيها لبنان، إلى جانب مصر وحواضر أُخرى، قُطباً من أقطاب حركة الإحياء المعرفية المنتعِشة ذلك الحين.
هذا ما يُتيحه المعرض الذي افتُتح في “مكتبة نعمة يافث التذكاريّة” داخل حرَم “الجامعة الأميركية” ببيروت، في التاسع من أيار مايو الجاري، ويتواصل حتى السابع من الشهر المُقبل، بعنوان “في رحاب العلّامة عيسى إسكندر المعلوف”، ويضمُّ مخطوطاتٍ وكتُباً وصُحفاً وصوراً كان صاحب “دواني القطوف”، وعضو “مجمع اللّغة العربية” في دمشق، و”المجمع الدّولي للغة العربية”، قد جمعها أو اشتغل عليها خلال حياته (1869 – 1956) التي نذرها خدمة للضادّ وعلومها.
أول مقتنيات المعرض المُتاحَة للزائرين هي الكتُب النادرة، حيث عُرف عن المعلوف اعتناؤه بالكتُب القديمة
وممّا قاله في ذلك: “وكثيراً ما بحثتُ عن تلك النفائس لأقتنيها بأثمان فاحشة فكان بعضها أشبه بالمخطوطات في قيمتها الأدبية وبعضها قليل الوجود الآن”، ومن هذه الكتب: “شذرات الذهب في أخبار من ذهب” لابن عماد الحنبلي، و”تاريخ السلطان سليم بن السلطان بايزيد خان مع قانصوه الغوري سلطان مصر وأعمالها”.


وثائق وصور ومخطوطات نادرة جمعها المُصلِح اللبناني خلال حياته
كذلك تُطالعنا الرسائل التي تبادلها مع شعراء وأدباء عصره مثل جرجي زيدان، وأمين الريحاني، وإبراهيم اليازجي، ومي زيادة، بالإضافة إلى رسائل أُخرى وجّهها إلى المستشرقين، وقد جُمعت هذه الكتابات في مجلّد واحد حتى تسهل على الباحثين العودة إليها والاطّلاع على محتوياتها. ومثال على ذلك رسالة وردة اليازجي المؤرَّخة في السادس من حزيران/ يونيو 1907، والمُرسَلة من الإسكندرية، حيث تعرض فيها بعض كتاباتها وكتابات زوجها فرنسيس شمعون.
تضمّ “الخزانة المعلوفية” مراجع بالعربية والتركية والفارسية وغيرها من اللغات
مكتبة عيسى إسكندر المعلوف أو “الخزانة المعلوفية”، كما يُطلَق عليها كانت تضمّ مراجع بالعربية والتركية والفارسية والفرنسية والإنكليزية واليونانية والسريانية وغيرها من اللغات، وصفها الصحافي إدمون صعب بمقالة له نُشرت في ستينيات القرن الماضي بأنها “خزانة الشرق الكبرى على ضفاف البردوني”، وقال عنها الشاعر اللبناني شكر الله الجرّ (1898 – 1975): “إذا قُدّر وفقَد لبنان مكتبتَه الوطنيّة استعاض عنها بمكتبة فقيد لُبنان العلّامة الكبير عيسى إسكندر المعلوف دون أن يشعر بفراغ”.

ومن المعروضات أيضاً نُسَخٌ من الدوريّات والصُّحف، حيث يُشار إلى أنّ المعلوف ساهَم في إنشاء وتحرير عدد منها والتي كانت من أوائل الصُّحف التي صدرت في ذلك الحين. وكذلك الحال مع الصور الفوتوغرافية التي نعثر بينها على صورة أمين الريحاني بزيّه العربي أثناء إقامته في نجد، وأُخرى لصاحب قصيدة “تنبّهوا واستفيقوا أيها العرب” الشاعر إبراهيم اليازجي يعتمر طربوشاً عثمانياً قصيراً، وثالثة للمؤرّخ أسد رُستم، ورابعة للشاعر خليل مطران برفقة الصحافي داود بركات، كما نقع على صورة نادرة للأمير عبد القادر الجزائري بصُحبة الخديوي إسماعيل وفيرديناند دوليسبس في حفل افتتاح قناة السويس عام 1869، فضلاً عن صور عائلية لأبناء عيسى إسكندر المعلوف الشعراء الثلاثة فوزي وشفيق ورياض.
عادةً ما يُحذَّر من الشعور بالحنين لما يُضفيه من “رونق” مُتخيّل على الماضي؛ صحيحٌ ولكنّ التخلُّص من هذا الانطباع أيضاً ليس بالأمر السّهل. نَهمُّ بالخروج من ضيافة المعلوف، لنعود إلى واقعنا بما فيه، فلا المكتبات مكتبات ولا الديار ديار، نستذكر مقولة شكر الله الجرّ آنفة الذِّكر عن المكتبة الوطنية المفقودة، ونتساءل: ألا نعيشها بالفعل؟

المصدر : العربي الجديد

لمشاركة الرابط: