كتبت ماجدة داغر
بدعوة من رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى المؤلفة الموسيقية هبة القواس، وفي سياق الحفلات التكريمية التي ينظمها المعهد تحيةً إلى كبار الموسيقى والفن في لبنان، احتضنت الكنيسة الوطنية الإنجيلية في بيروت- زقاق البلاط، احتفالًا موسيقيًا لطلاب المعهد في تحية تكريمية إلى أحد عمالقة الموسيقى والفن في لبنان، مؤسّس الكونسرفتوار وملحّن النشيد الوطني اللبناني، وأول المؤلفين الموسيقيين في لبنان الذي قال فيه الشاعر سعيد عقل: “لم يكن لموسيقانا قبله إرث ولا اتصال بعِلم. قبله لا قبل. أما بعده فقد وُجدنا في الفن. بات لنا مطمع بانتظار بعد…” الموسيقار الراحل وديع صبرا (1876-1952).
أشرف على الاحتفال الباريتون فادي جنبرت أستاذ مادة الغناء في الكونسرفتوار الذي تولّى الإدارة الفنية للعمل والسرد التاريخي لمسيرة الراحل، بمشاركة طلاب البيانو والأوبرا والكمان، وتولى إدارة الجوقة الغنائية أستاذ مادة الغناء الليريكي ومدير الكورال- القسم الليريكي في الكونسرفتوار بيار سميا.
بعد الافتتاح بالنشيد الوطني كاملاً الذي ألّف موسيقاه المحتفى به، بأداء الكورال الليريكي، ألقى الكلمة الأولى رئيس الاتحاد الإنجيلي في لبنان، والرئيس الفخري لمجلس كنائس الشرق الأوسط القسيس حبيب بدر مرحّباً بالكونسرفتوار، شاكراً رئيسته وقال: “أنا راعي هذه الكنيسة التي كان ينتمي إليها الموسيقار وديع صبرا. في أربعينات القرن الماضي كان يوجد بايب أورغن في الكنيسة وكان وديع صبرا يعزف عليه كل أحد مع الرعية، بالإضافة إلى ما كتبه لكورال الكنيسة. نحن فخورون أن هذا الاحتفال يقام هنا في الكنيسة. الشكر لرئيسة الكونسرفتوار الدكتورة هبة القواس لأنها أحيت المعهد الوطني للموسيقى وجعلته يتألق مجدداً، والشكر للموسيقي فادي جنبرت لأنه ذكّر الناس بوديع صبرا وأعاد إحياء إرثه العظيم”.
ثم تحدثت القواس مؤكدةً أن هذا الاحتفال هو أول الغيث مع الكنيسة الإنجيلية التي احتضنت منذ القرن الماضي الموسيقى في لبنان، وقالت: “اليوم النشيد الوطني له رونق خاص لأننا نحتفل بمؤلف موسيقى هذا النشيد، ولأن تلاميذ الكونسرفتوار مستقبل لبنان صدحوا به بصوتهم. وهذه المناسبة لها دلالات كبيرة وخاصة أن صبرا هو مؤسّس المعهد الوطني العالي الموسيقي، أو “دار الموسيقى” كما كانت التسمية في البداية، ثم اتخذ اسم المعهد الوطني العالي للموسيقى في زمن دكتور وليد غلمية. ما نقوم به هو أقل الواجب تجاهه، وهو أن نؤسس لإرث يتراكم مع الزمن. مؤسس هذا المعهد أتى إلى الكنيسة الإنجيلية فاحتضنته، وهو من كان يعيش في باريس وإسطنبول معظم سنوات حياته، وفي المبنى التابع لها تأسس الكونسرفتوار وكان مركزه الأساسي قبل الحرب. آن الأوان أن نتوارث هذا الموروث ونحييه فيتراكم ويكبر”.
وأضافت القواس: “هناك ما يمنعنا أحياناُ من أن نتقدم في الحياة الموسيقية، لأننا نعمل فرادى، فثمة من يأتي ويذهب ويعمل وحده وينكر من سبقه. لدينا فكرة النكران لبعضنا البعض في الإبداع، فالموسيقى لم تكن يوماً لمؤلف واحد بل هي تراكم لمجموعة مؤلفين في التاريخ صنعوا فكرة الموسيقى التي نعرفها اليوم.
نحن بحاجة أن نخلق تسلسلاً زمنياً (كرونولوجي)، بصرف النظر عن أن التأليف الموسيقي بآلية كتابته، وهو البناء التأليفي المختلف عن الألحان التي نعرفها في الموسيقى التقليدية أو الغنائية. يجب أن نخلق تسلسلاً زمنيًا يشبه المكان، لأننا كمؤلفين لا نستطيع أن نتجاهل موروثنا الذي اختزنّاه في داخلنا. وأنا كموسيقية لدي مهمتان، الأولى كمؤلفة أن أراكم هذا الإرث مع المؤلفين الكبار الذين سبقونا، والذي بدأ مع وديع صبرا، وأتابع هذه المهمة مع مؤلفين آخرين سيكون لهم حفلات تكريمية. والمهمة الأخرى بصفتي رئيسة للكونسرفتوار، أن أمد هذا الوصل لأكمل مسيرة التأسيس التي بدأها وديع صبرا، ثم إعادة التأسيس التي أكملها د. وليد غلمية، ثم أكمل لأصل إلى مكان جديد. التراكم المعرفي الموسيقي هو أساس ليصبح لدينا تأليف مختلف وموسيقى بموروثها الكامل. نفتخر أن أول تحية لهذه السنة هي لوديع صبرا أول المؤلفين الموسيقيين في لبنان”. ووجهت القواس تحية إلى البروفيسور في المعهد والباريتون فادي جنبرت “الذي تقمص وديع صبرا في بحثه وعمله، وأشكره على إشرافه على العمل. كما أشكر رئيسة قسم البيانو تاتيانا سليم والأساتذة والتلاميذ الذين قدموا من مؤلفات وديع صبرا. كما أشكر البروفيسور في المعهد الأستاذ بيار سميا على مجهوده في قيادة الكورال وتدريبه”.
وختمت القواس:” من واجبنا أن ندخل في المنهج الجديد، الذي نعمل عليه للسنة المقبلة، موسيقى المؤلفين اللبنانيين في مناهج الآلات جميعها ومناهج التأليف لكي تدرس وتعرف، كما من واجبنا أن يكون في كل احتفال للأوركسترا الفلهارمونية جزءاً أساسياً لمؤلفي لبنان عندما تكتمل الأوركسترا”.
أما في كلمته فتناول الباريتون فادي جنبرت حياة وديع صبرا ومساره التاريخي والموسيقي المهم، شارحاً ومعرّفاً الجمهور على قامة موسيقية كبيرة من لبنان، كادت تضيع إنجازاتها لولا جهود قلة من المهتمين بإحياء هذا الإرث العريق، وجنبرت هو أحد من اشتغل بشغف كبير على البحث الحثيث في مسيرة صبرا المشرقة. وشكر جنبرت القسيس حبيب بدر الذي واكبه في هذه المهمة قائلاً: ” منذ سنوات مضت “غطست” في أرشيف شخصية مهمة وكبيرة ولكن منسية هو وديع صبرا، لا نعرف عنه سوى أنه ألف موسيقى النشيد الوطني وأسس المؤسسة الأم للموسيقى في لبنان. في ٢٠١٩ بدأت البحث في أرشيفه ولم أعد أستطيع التخلي عن هذه المهمة. اكتشفت أن هذا الجندي المجهول أعطى الكثير للبنان ولبنان نسيه، والحرب أثرت في ذلك. من هو وديع صبرا؟ هو قام بالكثير مما لا نعرفه. وهو يمثل بداية الحوار بين الثقافتين الشرقية والغربية، لأنه أول لبناني في السلطنة العثمانية عام 1892الذي قُبل في كونسرفتوار باريس ودرس موسيقى غربية، وبعد أكثر من 15 سنة عاد إلى لبنان وأسس مدرسة في 1910 اسمها “دار الموسيقى” القريبة من هنا. هذه المدرسة في الحرب العالمية الأولى أقفلت لأن جمال باشا سجنه ونفاه إلى الأناضول بتهمة التواطؤ مع الفرنسيين ضد العثمانيين. ثم عاد عام 1918 وفتح مدرسته التي سماها في العام 1925 المعهد الموسيقي. في عام 1929 أطلقت الدولة اللبنانية مباراة لتأسيس معهد وطني وفازت مدرسته بالاسم”. أضاف جنبرت: “وديع صبرا ألف 3 أعمال أوبرا، الأولى عام 1917 باللغة العثمانية وترجمها لاحقاً إلى اللغة الفرنسية. ثم ألف الأوبرا الثانية التي تعتبر أول أوبرا باللغة العربية في عام 1927 تحت اسم “رواية الملكين”. وأوبريت باللغة الفرنسية عام 1931 بعنوان “المهاجر”. بالإضافة إلى تأليفه النشيد الوطني اللبناني. وما جعله يحصد هذه الشهرة الكبيرة عند العثمانيين آنذاك أنه ألف آخر نشيد للسلطنة العثمانية لعبد الحميد الغازي. ومن خلال أبحاثي اكتشفت أنه ألف للسلطنة خمسة أناشيد. ميزة وديع صبرا الكبرى أنه أول لبناني مستشرق درس الموسيقى الغربية، وحاول الدمج بين الموسيقى الشرقية والغربية بكتابة الأغاني الفولكلورية اللبنانية على البيانو على طريقته، على رغم الإشكالية التي تواجه الموسيقيين بعدم وجود ربع صوت. ولكن هدفه كان أن تُكتب هذه الأغاني الشفهية التي ليس لديها منهج كتابي، وكانت هذه المهمة البداية لمحاولة كتابة كل هذه الأغاني القديمة وإن تضمنت بعض الأخطاء لأنها تُكتب بلغة أوروبية، التي تطورت اليوم واستطعنا أن نجد لها منهجاً. كما اكتشفت أنغاماُ وأغاني تتضمن الكثير من الرقي ستكتشفونها الليلة في بعض المقطوعات للبيانو ألفها بين 1906 و 1913 ونشرها في فرنسا”. وختم: “أشكر د. هبة لإتاحة الفرصة لأخوض هذه المغامرة مع الكونسرفتوار، وأتمنى من كل الموسيقيين أن يحيوا إرث هذا الموسيقي الكبير، وخصوصاً تلاميذ الكونسرفتوار لأنهم موسيقيو المستقبل لإيصاله إلى الجيل الجديد. ومن دون استذكار كبارنا وإحياء إرثهم لا نستطيع أن نبني وطناً وحضارة”.
بعد الشرح الوافي لجنبرت عن بعض مسيرة صبرا، والذي أدهش الحضور بعمق اطلاعه على إرث الراحل، وعمق مخزون صبرا وأهمية إرثه الموسيقي، بدأ البرنامج الموسيقي الذي تضمن أعمالاً للمحتفى به. شمل القسم الأول أربع مقطوعات للبيانو من تأليف صبرا هي:
– “تفتا هندي 1909” عزف نور جادام تلميذة الأستاذة ريتا لبكي.
– مقطوعة “Prélude – Acte 2 (L’Émigré – Opérette1931)
عزف ماري خوري تلميذة الأستاذة جانا بوكوفا.
– مقطوعة “Polka Orientale-1908 عزف فارس عبد العال تلميذ الأستاذ ميرا زنتوت.
– مقطوعة “3ème Marche Orientale – 1909” عزف كريم حسن تلميذ الأستاذة ميرا زنتوت.
أما القسم الثاني من الأمسية فتضمن أغاني ألفها وديع صبرا لابنته بالتبني بديعة صبرا حداد، والتي أصبحت لاحقاً إحدى أبرز الأسماء في التعليم في الكونسرفتوار وأحد الأسماء المعروفة في الموسيقى والغناء، بعدما اكتشف صبرا موهبتها الكبيرة فتبناها واحتضنها ودربها، بحسب شرح فادي جنبرت عنها. رافقت على البيانو التلاميذ المؤدين يارا جرادي تلميذة الأستاذة ليزا توتونجيان.
الأغنية الأولى “ذكرى الأم” شعر شبلي الملاط (1943)، غناء أنا ريتا معلوف تلميذة الأستاذة ماري تيريز حبيقة. وغنت بعدها ماريان حلو تلميذة الأستاذة ماري تيريز حبيقة أغنية “أمنا الأرض” شعر رشدي معلوف. ثم أدت ايضاً ماريان حلو تلميذة الأستاذة ماري تيريز حبيقة أغنية “ماذا؟ انتهى كل شيء؟” شعر سعيد عقل.
وخصص القسم الثالث من الأمسية لبعض أعمال صبرا للبيانو وهي:
Danse N° 13 – Acte II (L’Émigré – Opérette) 1931–- ألك دونيريان تلميذ الأستاذ ميشال خيرالله على الكمان، ورامي طنوس تلميذ الأستاذة تيودورا خضر على البيانو
– La Rozana – 1913 Valse de Concert – 1906 رامي طنوس تلميذ الأستاذة تيودورا خضر على البيانو
– Valse Caprice – 1933 ميشال دريبي تلميذ الأستاذة هوري سارافيان
وتضمن القسم الرابع والأخير من الأمسيىة التكريمية أعمالاً لصبرا أداها كورال الكونسرفتوار الليريكي بإدارة الأستاذ بيار سميا ومرافقة على البيانو جوزيان صفير تلميذة الأستاذة جانا بوبكوفا، وهي:
– “رقَص الأفاعي” Danse des Lutins 1928 – )Les Deux Rois – Opéra) | رواية الملِكَين( شعر مارون غصن، صولو تينور شربل عيد، تلميذ الأستاذ بيار سميا.
– “أهوى الغزال الربربي” 1906 – صولو تينور شربل عيد، تلميذ الأستاذ بيار سميا.
– “مجد لبنان” 1929شعر مارون غصن
– “ها أنا لبنان” – 1950 شعر سعيد عقل.