المنجز النقدي للدكتور محمد آيت لعميم حول المتنبي وبورخيس *

خاص – nextlb 

يعتبر الدكتور محمد آيت لعميم أحد الرموز النقدية والثقافية البارزة في المملكة المغربية وفي الوطن العربي ، فقد بدأ اسهامه في مجال النقد الأدبي من أواخر ثمانينيات القرن الماضي ، وتنوع مجال اسهامه فشمل البحث الأكاديمي والمقال الأدبي وتأليف الكتب والترجمة ، فضلاً عن التدريس في المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين ، وفي جامعة القاضي عياض في مراكش ، وأشرف على عدد من الرسائل العلمية، وهو بالإضافة الى ذلك ناقد عرف كيف يخلق صوته الخاص داخل المشهد النقدي العام دون أن ينساق وراء القراءات المكررة ، وهو أيضاً من الكتاب والنقاد العرب القلائل الذين يلمس القارئ لديهم مجهوداً بحثياً وتمكناً معرفياً ، ليس فقط لأنها أفلتت من التحليل والكتابة من داخل المألوف في المجال كما سبقت الإشارة ، وإنما أيضاً لمقاربتها الموفقة والشاملة لمواضيع يقتضي تحليلها الإلمام و التقدير الحذر بالسياقات والتداعيات.
المشروع النقدي للدكتور محمد آيت لعميم يبنى على ممارسة القراءة والتأويل، عبر مفاهيم مستقاة في الغالب من النقد الموضوعاتي(منهج نقدي في الأدب) بمرجعياته المختلفة .
وفي هذا السياق سبق أن ترجم فصلاً كاملاً بعنوان “النقد الموضوعاتي لدانيال برجوس”، ومقالة طويلة لميشيل مايو بعنوان ” الموضوعة بحسب النقد الموضوعاتي”.
هذا الإنشغال القديم سيلازمه، وفي هذا الأفق ترجم كتاب ” القراءة ” لفانسون جوف بمشاركة نصر الدين شكير، وبما أن محمد آيت لعميم يعتبر الترجمة آلية من آليات القراءة الفاحصة ، فقد كانت الترجمة لديه موجهة لما يخدم مشروعه، فالدراسات والمقالات التي ترجمها منذ عام 1988 الى اليوم كان الهدف منها إرساء المشروع القرائي لديه ، وفي هذا الصدد سيترجم كتاباً مهما حول الترجمة ، وحول نظرياتها بعنوان ” المترجم كاتب الظل” .
لقد كان سؤال القراءة والتلقي يشغل محمد آيت لعميم ، منذ البدايات ، وستتوج بدراسته حول المتنبي في المناهج النقدية الحديثة، وستعضد وتعمق ببحثه في الدكتوراه حول قراءة قصيدة النثر من خلال بعض المفاهيم التي رسخها جان بيير ريشار وميخائيل ريفاتر .
وعلى العموم فالخيط الناظم للقراءة لديه ولما يترجمه ، هو محاولة دؤوبة لفعل قرائي مختلف يبحث عن العمق عن بواطن الأشياء ، وبسط ثنيات النصوص وما تنطوي عليه من معان غائرة .

ويمكن أيضاً ضمن المشروع النقدي لمحمد آيت لعميم رصد الإهتمام الخاص الذي يوليه لشخصيتين أدبيتين‮ حتى أصبح متخصصاً فيهما هما : شاعر العرب أبو الطيب المتنبي ، والكاتب الأرجنتيني لويس ‬بورخيس. ‬‬
في مؤلفه ” ‬الروح القلقة والترحال الأبدي” ‬ يبدي محمد آيت لعميم إعجابه بشخصية الشاعر أبي‮ ‬الطيب المتنبي ، بل ويعتبر أن شعره لا تزال له راهنية اليوم بسبب ما ‬تعيشه الأمة العربية من اندحار وتأخر،‮ ‬وكونه ظاهرة كونية لأنه استطاع أن‮ ‬يعبر عن رؤية العالم للعرب بماضيهم ومستقبلهم، وهو ما جعله ضمير العرب وصوتهم لأن الأمم دائما تختار الأديب الذي‮ ‬يكتب ضدها من أجل أن تتجاوز أعطابها وخيباتها. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
أما ‬اهتمام‮ ‬ آيت لعميم ببورخيس الذي يعتبره متنبي الغرب ، فيعود كما يؤكد لإحساسه بأن هذا الأخير‮ ‬يحمل بعضاً من روح الجاحظ والمعري،‮ ‬منذ أول كتاب قرأه له‮ “‬conférence‮”، و يقول آيت لعميم أن لقاءه مع ماريا كوداما زوجة بورخيس سنة 6991 كان حاسماً في إنجاز كتاب عن بورخيس وعوالمه الذكية والغنية، فهي التي حفزته للكتابة عن زوجها الذي زار مدينة مراكش مرتين في عامي 5791 و5891، وحدثته نفسه بالإقامة فيها لأنه وجد في ساحة جامع الفنا تجسيداً لأحلامه الطفولية، وقدأصدر آيت لعميم كتابين عن بورخيس هما:” بورخيس أسطورة الأدب ” و” بورخيس صانع المتاهات” .‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وختاماً ، مهما اتسعت مساحة هذا المقال عن الدكتور محمد آيت لعميم فلن تستوعب كل مؤلفاته وإسهاماته ، وعلى رغم الشهرة التي تحققت له كناقد أدبي بارز في المغرب وفي العالم العربي، إلا أن تأثيره امتد إلى المجال العام، وعرف بالحرص على الاشتباك مع القضايا الثقافية والإجتماعية التي تهم مسقط رأسه مدينة مراكش المغربية .

 محمد تكناوي – صحافي مغربي  

لمشاركة الرابط: