عاطف البعلبكي – مراكش
في قلب الصحراء المغربية تتركز لؤلوة المغرب ، مدينة مراكش بأبنيتها الحمراء المبنية من حجر القرميد ، وبطابعها الذي يمزج ما بين القناطر العربية وما تشكل معها من فن العمارة الأندلسية على مر مئات السنين ، ومن البعيد عندما تدخل المدينة القديمة تطالعك أسوارها ، فتلج اليها من بواباتها التاريخية ، ترى اللون القرميدي مسيطراً تماماً على أبنيتها ، ولهذا السبب تحمل مراكش لقب المدينة الحمراء ، تزينها آلاف أشجار النخيل العملاقة في ساحاتها وعلى جنبات الطرق الواسعة والمستقيمة في هندسة تخطيطية أنيقة ، وهي كذلك عاصمة النخيل في المغرب العربي ، وثالث أكبر مدن المملكة المغربية من ناحية الكثافة السكانية وتقع في جنوب الوسط ، ويبلغ عدد سكانها حوالي مليون نسمة .
تاريخ وأصالة
حسب المصادر التاريخية تم بناء النواة الأولى لمدينة مراكش في عام 1070 ميلادية على يد المرابطين حيث أسسها السلطان يوسف بن تاشفين، والذي سُميت مدرسة إبن يوسف بإسمه ، فطورها واتخدها عاصمة لملكه لتصبح فيما بعد المركز السياسي والثقافي للغرب الإسلامي.
وكان إسم مراكش يطلق على المغرب قديماً ويرجع الإسم مراكش إلى الكلمة الأمازيغية- أموراكش- وتعني بلاد الله – وكانت عاصمة للمرابطين واستمرت كذلك إلى عهد الحماية الفرنسية في العصر الحديث .
وتقع المدينة على بعد حوالي 300 كلم جنوب غرب الرباط ، وتبعد حوالي الـ15 أو 20 ميلاً عن حافة جبال الأطلس التي تنتصب في الأفق كمارد عملاق في مشهدية رائعة قل نظيرها . ويلفح هواء الصحراء النقي والجاف الوجوه وبخاصة في وقت الظهيرة لترصد في الأفق جبال الأطلس القريبة من مدينة مراكش التي تقدم مناظر طبيعية خلابة للإستكشاف عبر تنظيم رحلات ليلية الى تلك الجبال المكللة قممها بالثلج الناصع البياض ، وتقطن عند سفوحها بعض القبائل الأمازيغية التي الفت سكنى الجبال ووعورتها ، لتنظم رحلات سياحية للمهتمين بتجربة مختلفة لمعيشة القبائل التي لم تختلف كثيرا منذ القرن الماضي وتقدم فكرة حقيقية حول نمط العيش في البيئة الصحراوية وعلى سفوح الجبال وهي تجربة تختلف بالطبع عن سكنى المدينة العتيقة مراكش .
تاريخ المدينة
وبالعودة الى تاريخ مراكش وآثارها الغنية فيرجع الأمر الى الملوك الموحدين عقب دخولهم المدينة في عام 1147م ، واتخاذها عاصمة لحكمهم . فقد أقاموا فيها عدة معالم تاريخية لازالت تشكل مفخرة عصرهم ، كمسجد الكتبية ومئذنته الشهيرة ، والأسوار، والأبواب التي تحميها من العدوان ، والحدائق ، وهكذا عرفت مراكش تحت حكم الموحدين إشعاعاً كبيراً جعل منها مركزاً ثقافياً وإقتصادياً وسياسياً لا نظير له في الغرب الإسلامي.
وفي عام 1551ميلادية إستعادت المدينة مكانتها كعاصمة للسعديين ( 1589م –1659م). الذين شيدوا فيها منشآت جديدة أهمها قصر البديع ومجمع المواسين ومدرسة إبن يوسف وقبور السعديين وعدد من السقايات.
تحت حكم السلالة العلوية
وتحت حكم السلالة العلوية ، قام المولى رشيد بترميم مسجد بن صالح المريني و عمل السلطان سيدي محمد على إعادة مراكش إلى مكانتها من خلال إنشاء أحياء ومعالم جديدة. وإتخدت مراكش شكلها النهائي إبتداءً من فترة حكم هذا السلطان إذ اقتصرت المراحل اللاحقة على ترميم ما تم إنجازه .
وتعتبر مراكش عنصراً حيوياٌ لإقتصاد وثقافة المغرب. وبخاصة بعد تطوير شبكة الطرق السريعة بين الدار البيضاء و أغادير ومطار مراكش الذي أدى إلى زيادة كبيرة في السياحة في المدينة ، التي تجذب السواح من مختلف دول العالم سنوياً. ونظرًا لأهميّة السياحة لإقتصاد المغرب ، تعهد الملك محمد السادس بن الحسن بجذب 20 مليون سائح سنوياً إلى المغرب بحلول عام 2020 .
وقد اشترى العديد من المشاهير الفرنسيين العقارات في المدينة بما في ذلك عمالقة الأزياء إيف سان لوران و جان بول غوتييه.
وفي التسعينيات ، كان يعيش في المدينة عدد قليل جداً من الأجانب ، ولكن مشاريع التنمية العقارية ارتفعت واشترى الأجانب عقارات في المدينة، وجذبهم إلى ذلك عشقهم للتراث المغربي القديم ، وأسعار العقارات الرخيصة نسبياً بالمقارنة مع أوروبا .
ساحة جامع الفنا أكبر الأسواق الشعبية في مراكش
تشكل ساحة جامع الفنا سوقاً شعبياً غير عادي للتسوق والترفيه ، ويزدحم فيها الزوار من مختلف بلدان العالم ، وبالإمكان القيام بجولة في ساحة الفنا على متن عربة خيل يجرها حصان نشيط بعد المساومة على سعر الجولة مع سائق العربة ، وتعتبر الساحة القلب النابض لمدينة مراكش ، ومقصداً للزوار من كل أنحاء العالم للإستمتاع بمشاهدة عروض مشوقة لمروضي الأفاعي
ولعازفي الموسيقى الشعبية إلى غير ذلك من مظاهر الفنون الشعبية التي تحتضن التراث الفريد والمختلف وهذا ما وقف وراء ترتيب هذه الساحة تراثاً شفوياً إنسانياً على لائحة منظمة اليونيسكو في عام 1997.
ويتوسط جامع الكتبية مدينة مراكش، بالقرب من ساحة جامع الفنا. وتسمية المسجد مشتقة من الكتبيين ، وهو إسم سوق لبيع الكتب يعتقد أنه كان بمقربة من المسجد.
“الطنجية” بالفخارة
وفي الجهة المقابلة تتوزع شوارع ضيقة تزخر بالمطاعم الشعبية ذات الأكلات الشهيرة وفي طليعتها ” الطنجية” (نسبة الى مدينة طنجة المغربية) وهي عبارة عن لحم مطبوخ بالبهارات المراكشية داخل فخارة مقفلة ، مدفونة في الجمر قبل ساعات من تقديمها في المطاعم الشعبية مع بعض الأهازيج من الإناء الفخاري مباشرة الى الطبق .
وهناك أكلات شعبية أخرى اللافت فيها والمستغرب إدخال مادة السكر في مكوناتها كنكهات إضافية يحبها بعض رواد تلك المطاعم الشعبية من أهل مراكش أو من أوروبا والبلاد العربية .
وتنتشر أيضا كما كل مدينة تراثية أسواق للتذكارات والمشغولات النحاسية والفضية والجلديات والأحذية ، والعباءات المغربية الشهيرة المطرزة بدقة عالية ، وهي هدف مميز للسائحات الأوروبيات اللواتي تعلمن على ما يبدو أسلوب المساومة مع البائع على الطريقة الشرقية – العربية .
ويؤم المراكشيون الأسواق الشعبية ليلا بعد عودتهم من أعمالهم ، وبعد ان تخف حدة الشمس القوية نهاراً فيحتسون الشاي والقهوة والعصير ، ويتابعون على شاشات كبيرة في المقاهي بطولات كرة القدم المحلية والأوروبية في الغالب .
ولا يبدو الترف والبحبوحة على وجوه البائعين والناس العاديين الذين يزورون ساحة الفنا ، ويعكس تصرف البائعين والمتجولين منهم ضيق الحال فيعمدون الى بعض وسائل كسب الرزق مثل العزف لأفاعي الكوبرا والرقص والألعاب البهلوانية .
اللهجة المحلية عائق سياحي
يحاول أهل مراكش أو نسبة كبيرة منهم على الأقل تجاوز مشكلة اللهجة المحلية الصعبة في التفاهم مع زوار مدينتهم وساحة الفنا تحديداً ، وقد يتطلب الأمر منهم تلقائياً أن يتواصلوا معك بالفرنسية إنقاذاً للموقف ، مع تداخل واضح للمفردات واللهجة الأمازيعية التي تجعل التفاهم باللغة العربية مسألة لها صعوبتها ، بينما يجتهد سائق ال” طاكسي” (هكذا يكتبونها) في التفاهم مع الزوار والسواح العرب بالعربية الفصحى عندما يعرف بأن زبائنه من العرب . واللافت للنظر أن أهل مراكش يلفظون إسمها بضم الكاف ” مراكُوش ” وأن لديهم جفاء مع حرف التاء في الترجمة الى العربية ، فالتاكسي تكتب ” طاكسي” وكذلك يكتب الأوتيل ” أوطيل” على لافتات المحال التجارية ومواقف السيارات والفنادق وعلى الأخص الشعبية منها .
جامع الكتبية
أمر ببناء جامع الكتبية الأول الخليفة عبد المؤمن بن علي الكومي في عام 1147م على أنقاض قصر الحجر المرابطي الذي كشفت التنقيبات الأثرية عن آثاره ومكوناته المعمارية ، وزيارة المسجد و مئذنة الكتبية في منتصف النهار، لها رونقها وجمالها مع عبق التاريخ والضخامة التي تذكرك بفخامة وضخامة الجامع الأموي في دمشق ، وتستمتع بجماليتها وأضلاعها الرباعية كما برج حربي ، وكذلك بقصص حول مسجد الكتبية الشهير الذي أنجز في القرن الثاني عشر. وعقود قناطره الضخمة والزخارف الأنيقة التي تزين أقواسها
وهناك في طبائع أهل مراكش المحبين للسائح الأجنبي ، والعربي تحديداً ، ما يدعوك للعودة مجدداً لزيارتها لتكتشف ربما فصولاً جديدة من تاريخها المنسي في حنايا التاريخ .
عدسة nextlb