أعيان المعاني – ماء الكلام الحزب (7)

لقد أبدع لوي ماسينيون (Louis Massignon) في ذكر فضل لغة الضاد على اللغات الأجنبية، حين قال: “أدخلت اللغة العربية في الغرب طريقة التعبير العلمي، والعربية من أنقى اللغات، واتّسمت بالإيجاز الذي لا شبيه له في سائر اللغات، والذي يُعدّ معجزة لغوية كما قال البيروني”.
فالعربية ليست لغة تواصل وحسب، بل هي هوية أيضًا لفضلها العظيم ولليونتها في إيضاح معاني المفردات. ومن هذه المعاني “الحزب”، فالحزب لغةً هو اجتماع أشخاص ومؤازرة بعضهم بعضًا واشتداد عضدهم. فنقول حزّب الناس أي جعلهم حزبًا له. إذًا، فالاشتداد هو الأصل في ضم الأطراف والجماعات والأفراد. ومن هذا كان من ضمن التقسيم في القرآن – فضلًا عن الجزء والصفحة… – “الحزب”، فحزّب القرآن أي جعله أحزابًا. فمنه ربع ومنه نصف ومنه ثلاثة أرباع، حيث تجتمع مفردات الآيات وتترابط وتشتدّ معانيها وتقوى.
لقد ورد في الحديث الشريف أنّ النبي كان إذا حزبه أمرٌ – اشتدّ عليه – قام إلى الصلاة. وقد ورد أنّ من معاني الحزب أيضًا الأرض الصلبة الشديدة.
إذًا، إذا احتشدت طائفة من الناس على أمر يجمعهم، كانت فيهم القوة والصلابة والشدّة. فإذا تحزّبوا لشخص تعصّبوا له وكانوا جماعته وقوّته. وإذا تحزّبوا عليه كانوا أشدّاء ؤذوي بأس لإيذائه.
لقد ورد ذكر “الأحزاب” و”الحزب” في القرآن الكريم في غير آية وفي أكثر من سورة: “غافر والجن والمجادلة والروم…”، للدلالة على الجمع ذي الشدة والبأس والقوة والغلظة، منها ﴿أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون﴾ (المجادلة، 19).
من هذا المنطلق، فلنكن حزبًا – جماعة قوية شديدة بالعقل والفعل والحق – تجمعه كلمة سواء، كلمة لا رياء فيها ولا دجل للحصول على حقوقنا وأبسط مقومات الحياة الإنسانية الكريمة في بلدٍ كثرت فيه الأحزاب وقلّ فيه الفكر والعمل الصالح والصواب والدين. ولنكن من الذين يجتمعون على الحق لا على الباطل وعلى الفعل المثمر لا على القول الفارغ. ولنكن من الذين لا تنطبق عليهم الآية الكريمة ﴿من الذين فرّقوا دينهم شيعًا كلّ حزب بما لديهم فرحون﴾ (الروم، 32).
هذه لغتنا وهويتنا وثقافتنا… فلنعد إليها ولنتحزّب لها كي نستحقّها.
الوليد

لمشاركة الرابط: