أعيان المعاني (ماء الكلام) الشجار..بقلم وليد حسين الخطيب (1)

( الحلقة الأولى )
الشجار
يقول الأستاذ في جامعة أكسفورد المستشرق الإنكليزي اليهودي دافيد صامويل مارغليوث (David Samuel Margolioutt): “اللغة العربية لا تزال حية حياة حقيقية، وهي واحدة من ثلاث لغات استولت على سكّان المعمورة استيلاء لم يحصل عليه غيرها”.
ويقول المستشرق الفرنسي بارثلمي هربلو (Barthélemy d’Herbelot): “إن اللغة العربية أعظم اللغات آدابًا وأسماها بلاغة وفصاحة وهي لغة الضاد”.
فما الذي يدفع مستشرقين كثراً إلى اعتبار اللغة العربية أسمى اللغات وأرقاها وأرقّها وأغناها… لو لم تكن فعلًا كذلك؟
السبب في ذلك أنّها قادرة على تطويع معاني عدّة لأي مفردة من المفردات بما يناسب واقع حالها، ومنها – على سبيل المثل لا الحصر – الكلمة التي نطلقها على النزاع والخصام، وهي “الشجار”. فما هو اشتقاق هذه الكلمة؟ وما علاقة العراك والقتال بالشجار؟
ورد في القرآن الكريم ﴿فلا وربِّك لا يؤمنون حتى يُحكّموك فيما شَجَرَ بينهم﴾ (النساء، 65). وقد نزلت هذه الآية في شخصين حصل بينهما خصام.
إذًا، الشجار – وجذره “ش ج ر” – يكون بين شخصين في الأقل، وهو يحتاج إلى مفاعلة وهي تفيد المشاركة في الحدث، كـ “المصافحة والمناقشة والمساعدة…” المشتقة من “صافح وناقش وساعد…”، وكذا المشاجرة مصدر الفعل شاجرَ.
لذلك، تُعتَبَر العلاقة بين النزاع والشجار علاقة مشابهة، إذ إنّ الأشجار المتجاورة حين تنمو وتكبر وتتفرّع أغصانها، تتشابك أفنانها وأوراقها، ومن هذا شجار الهودج – محمَل مصنوع من خشب وقماش يوضع على ظهر جمل، خصوصًا للنساء أثناء السفر – لاشتباك بعض عيدانه ببعضها الآخر. وهي كائنات اجتماعية لها أصدقاء ولها أعداء، والعلم يثبت هذا الأمر باستمرار، بحسب المشجّر – هو الذي يهتم بشؤون الغابات – الألماني بِتر فولِبن (Peter Wohlleben). وحياة الإنسان – كونه ابن الأرض – تشبه كثيرًا حياة الطبيعة في غاباتها ونباتاتها.
نستخلص من هذا كله أنّه إذا حصل نزاع أو عراك بين شخصين أو أكثر، تتشابك الأيدي والكلمات كما تتشابك أغصان الأشجار، فلا يُعرَف كلام هذا من كلام ذاك ولا يدَي أحدهما من يدَي الآخر.
فلله درّك أيّتها العربية في مكانتك المرموقة! وما أعظم شأنك وأهمّيتك في العالم أجمع!

وليد حسين الخطيب
أعيان المعاني (ماء الكلام) الوليد
كاتب لبناني

لمشاركة الرابط: