تشكل عودة متحف سرسق الى ناسه في افتتاح رسمي الجمعة 26 أيار 2023 الوجه الآخر لصمود بيروت المحكوم عليها بالبقاء، رغم حقيقة الحياة المؤلمة والقاسية جداً التي لا ترحم أحداً اليوم وأكثر من أي وقت في لبنان.
لم يكن انفجار مرفأ بيروت الضربة الأولى التي تلقاها “متحف سرسق”، فقد مر بمراحل سابقة عصيبة فرضت العمل بشكل متقطع فيه، خصوصاً خلال الحرب الأهلية في عام 1975 وبعدها.
وتبرز أهمية هذا المتحف، أنه ذاكرة الفن المعاصر، ولا سيما من خلال مسابقة “صالون الخريف”، التي شكلت طريقاً نحو الشهرة لأسماء علم منهم ميشال بصبوص، سلوى روضة شقير، إيفيت الأشقر، إيلي كنعان، بول غيراغوسيان، عارف الريس وعادل صغير وسواهم، إضافة الى أنه “الشاهد الأكبر” على تداعيات الحرب المجنونة على عاصمتنا، وآخرها انفجار مرفأ بيروت.
في التاريخ العريق
بنى نقولا إبراهيم سرسق القصر في عام 1912 في “حي السراسقة” في بيروت، الشهير بقصوره وبمبانيه الفخمة دفعه عشقه للفنون إلى أن يوصي بنقل ملكيته إلى مدينة بيروت بعد وفاته، على أن يتحول إلى متحف لنشر الثقافة ولدعم الفنانين اللبنانيين والترويج لأعمالهم، وانتقلت ملكية القصر بناء على وصية صاحبه إلى بلدية بيروت من عام 1952، إلا أنه لم يتحول إلى متحف في مرحلة أولى، بل إلى مضافة رسمية لاستقبال الملوك ورؤساء الدول في عهد الرئيس كميل شمعون، عاد وتحول إلى متحف في عام 1961 مع افتتاح “معرض الخريف” الذي أصبح تقليداً سنوياً، ومن أبرز الأنشطة التي اشتهر بها المتحف في نشره للثقافة والفن، في الوقت نفسه، بنى المتحف مجموعاته الخاصة وأقام المعارض المحلية والعالمية، إلى أن أقفل في عام 2008 بشكل مؤقت لتجديده والتوسع فيه، فتضاعفت مساحته أكثر من خمس مرات حتى بلغت 5000 متر مربع مع خمس صالات عرض، وأضيفت أربعة طوابق تحت المبنى القائم دون المس بتصميمه الأساسي، كما أُضيفت قاعة المعارض المؤقتة وقاعة المحاضرات وصالة المجموعات الدائمة ومكتبة ومتجر ومطعم.
في جولة على المتحف، يتبين مباشرةً أن فيه ما يجعله مختلفاً عن بقية المتاحف لاعتباره يجمع في مكان واحد ما بين العراقة والتاريخ من جهة، والفن المعاصر بكل ما فيه من إبداع من جهة ثانية، وبين اللبناني والعالمي، وكأنه صورة عن مدينة بيروت بكل ما فيها من تنوع.
المصدر : موقع جسور