يبدو أن هناك من “كذّبَ الكذبة وصدّقها” عن طرابلس والمشروع التركي فيها، حيث بدأت المخيلات السياسية والاعلامية تقدم سيناريوهات عن “أبطال وتحركات وتجنيد ودفع أموال تمهيدا للاحتلال التركي المنتظر أو الاستخدام الأمني المطلوب”، ما يؤكد أن المؤامرة على الفيحاء إنتقلت من عمليات تخريبها وضرب مؤسساتها والسعي لتهجيرها، الى “شيطنتها” وإتهام أهلها بالخروج عن الدولة والسير بمشروع خارجي، بما يجعلها هدفا لأكثر من جهة محلية وإقليمية.
كثيرة هي الاخبار والتحليلات التي تحدثت خلال الايام الماضية عن دور تركي في طرابلس يهدف الى السيطرة عليها انطلاقا من اهمية شمال لبنان للاتراك، وقد سارع البعض الى استغلال هذا الامر في تصفية حسابات سياسية من خلال اتهام اطراف طرابلسية هي بالاساس على نقيض سياسي بين بعضها البعض بالضلوع في هذا المشروع، في حين حاول البعض الاخر “التصديق” على كل ما يُنشر والترويج له بهدف تقديم اوراق اعتماده الى دول الخليج التي تخوض صراعاً سياسياً وعسكرياً مع تركيا في أكثر من منطقة.
كل المعطيات تشير الى أن ما يُحكى في هذا الإطار لا يستند الى وقائع ودلائل ومعلومات حقيقية، لكنه أغرى الكثيرين ممن يتربصون شرا بطرابلس وأهلها، فوجدوا مصلحة لهم في الإستثمار في هذا الأمر.
اللافت، أن يكون كل هؤلاء على علم ودرايه بما يُخطط لطرابلس من قبل تركيا ويتشدقون بأنهم يعرفون تفاصيل ما يحصل واسماء المتورطين، بينما الأجهزة الأمنية من مخابرات جيش ومعلومات وأمن عام وأمن دولة ما تزال غائبة عما يعلم هؤلاء، في وقت يعلم القاصي والداني فيه أن النشاط المضطرد لهذه الأجهزة يجعل طرابلس ومعها كل الشمال تحت المجهر الدائم، بفعل الأمن الإستباقي المعتمد منذ سنوات والذي أثمر إنجازات أمنية تمثلت بكشف شبكات إرهابية وتخريبية وتجسسية.
علما، أن طرابلس التي تعاني من فقر وبطالة وتهميش وحرمان وأزمات إجتماعية وإنسانية لا يمكن أن يبقى ضخ المال فيها ومن أية جهة أتى مجهول المصدر أو غير معروف الأهداف، حيث يؤكد متابعون أنه في هذه الأيام الصعبة اذا تم صرف الف دولار في ساحة التل كل الطرابلسيين يعلمون بها، لافتين الإنتباه الى ان الإتهامات التي تساق في هذا الإطار من شأنها أن تسيء الى حضور الدولة وأجهزتها الأمنية التي لم تقصر يوماً في حماية طرابلس وأهلها.
تؤكد مصادر على إطلاع واسع بالملف التركي أن “كل ما يُنشر ويُكتب لا اساس له من الصحة ولا يمت الى الحقيقة بصلة”، مشددة على أن “الجمعيات المرتبطة بتركيا والناشطة في طرابلس والشمال لم يسبق أن طُلب منها أي أمر أو موضوع خارج اهتماماتها الإجتماعية والإنسانية والثقافية، وهي لم تسمع بأي دور تركي في طرابلس الا من خلال وسائل اعلام ذات اتجاهات وإنتماءات معينة.”
وتلفت هذه المصادر الإنتباه الى أن “كثيرا من المسؤولين الأتراك كانوا فوجئوا بردات فعل الطرابلسيين خلال محاولة الإنقلاب الذي تعرضت له تركيا وبوقوفهم الى جانب الرئيس رجب طيب أردوغان، واعتبروا أن الموقف الطرابلسي كان مشرفاً، وهم لن ينسوه، ويستدعي رد جميل للأهالي الذين عبروا عن عاطفة نبيلة، وقد ترجم ذلك بادخال طرابلس الى أجندة تركيا تجاه لبنان، من دون أي إهتمام مباشر أو لافت للنظر أو مبالغ فيه، حيث أن مؤسسة تيكا التركية تستمر بمشروع تأهيل التكية المولوية الذي بدأ قبل أكثر من عشر سنوات، كما تهتم فقط بترميم جامع عثماني في الميناء، في حين أن عدد المنح الدراسية التركية في طرابلس والشمال لا يتجاوز العشرين منحة من أصل مئة منحة تقدم في كل لبنان، أما المساعدات الأخرى فهي تكاد لا تذكر، في وقت لا تُسجل فيه زيارات للسفير التركي أو لمسؤولين أتراك الى طرابلس إلا ضمن إهتمامات إجتماعية وثقافية معروفة ومعلنة للجميع”، مشددة على أن “كل الأسماء التي أتى بعض الاعلام على ذكرها تربطها بتركيا علاقات جيدة، لكن لا دور لها في أي أمر خارج الإهتمامات المذكورة”.
وتؤكد المصادر نفسها أن “ما يحصل هو تركيبة جديدة من سلسلة التركيبات المعروفة على طرابلس والتي يسعى البعض من خلالها الى إستهدافها وتشويه صورتها وشيطنتها”، مشددة على أن العلاقات اللبنانية ـ التركية جيدة جدا، وطرابلس مدينة لبنانية وتدخل ضمن هذه العلاقات من خلال جمعيات وشخصيات ناشطة، أما المصرون على إتهام تركيا وطرابلس على حد سواء بمشاريع من نسج خيالهم فالأفضل لهم أن “يخيطوا بغير هالمسلة”!.
المصدر : سفير الشمال (غسان ريفي)
عدسة nextlb.com