مؤتمر”التجديد التربوي “ينعقد للسنة السادسة برعاية نازك رفيق الحريري

بيروت_إكرام صعب

إيماناً منها ببناء الإنسان الفرد، وحرصاً على متابعة رسالة الرئيس المؤسس، دأبت «مؤسسة رفيق الحريري»، وللسنة السادسة على التوالي، على إقامة وتنظيم المؤتمر التربوي السنوي «التجديد التربوي» والتي وعدت على أن تكرسه لموضوع التربية في لبنان. وقد انعقد المؤتمر أمس، برعاية رئيسة المؤسسة السيدة نازك رفيق الحريري بعنوان «التجديد التربوي ثقافة الاستدامة :إطار لأسترتيجية تربوية بعيدة المدى”. واستطاع من خلال استقطابه لمجموعة من أهل الاختصاص والشأن التربوي في لبنان، أن يسلط الضوء على أبرز المعوقات التي تواجه فلسفة هذا التعاون وآليته وطرق نجاحه وتحدياته والخطوط الأولى لمعالجة هذه المشكلة وغيرها من المعوقات التي تقف عائقا في بعض الاحيان أمام أي تطور أكاديمي علمي في لبنان .
فبالتعاون مع الجامعة الاميركية في بيروت من خلال الشبكة الوطنية للميثاق العالمي في لبنان ، عقدت مؤسسة رفيق الحريري مؤتمرها السنوي هذا في هذا العام في قاعة المعماري مبنى كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال في الجامعة الاميركية في بيروت .
وشدد المؤتمر الذي انعقد برعاية رئيسة المؤسسة السيدة نازك رفيق الحريري ممثلة بالسيدة هدى طبارة على تعزيز العمل بين المؤسسات التربوية والدولة لمكافحة الفساد على الصعيد التربوي من خلال تفعيل القيم الروحية والانسانية النابعة من التاريخ والأديان والقيم الوطنية والثقافية والأخلاقية والسلوكية وتعزيز مفهوم المواطنة وبناء البشر قبل الحجر.

استهل المؤتمر بالنشيد الوطني وذلك في حضور الرئيس فؤاد السنيورة و الوزير السابق حسن منيمنة ممثلاً الرئيس سعد الحريري، ونائب الرئيس للبرامج الخارجية الإقليمية في الجامعة الأميركية الوزير السابق حسان دياب ، ومدير عام وزارة التربية فادي يرق، والسفير الاسباني في لبنان جوسيه ماريا فري ووممثلة الاتحاد الاوروبي ايلينا أسون والمديرة العامة للمؤسسة سلوى السنيورة بعاصيري ، ونائب الأمين التنفيذي للإسكوا في بيروت الدكتورة خولة مطر ورؤساء جامعات ومدراء مدارس ومسؤولين تربويين وشخصيات.
إستهلت المديرة العامة ل “مؤسسة رفيق الحريري” كلمتها بنقل تحية السيدة نازك رفيق الحريري للحاضرين في القاعة وقالت” يسعدني أن أرحب بكم بإسم مؤسسة رفيق الحريري، وأن أنقل اليكم تحيات رئيسة المؤسسة السيدة نازك رفيق الحريري التي ترى في التعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت لعقد مؤتمرنا هذا تعزيزاً لما درج عليه الرئيس الشهيد رفيق الحريري من رعاية لمبادئ التكامل وتضافر القوى ومن تحفيز لحشد الجهود، سيما في إطار مؤسسات تعنى بالفكر والعلم والإبداع سبيلاً لبناء مجتمعات المعرفة ونهجاً لتحقيق التنمية الإنسانية بشكل مستدام. فالشكر للجامعة الأميركية في بيروت على ارادة التعاون البنّاء وأخص بالشكر الشبكة الوطنية للميثاق العالمي في لبنان ممثلة بالدكتورة ديما جمالي ، التي حرصت أن تكون كلية سليمان عليان لإدارة الأعمال مساحة للقاء وفرصة للتفاعل وفضاء متسعاً للتعاون والتضامن في إطار التنمية الإنسانية المتنوعة الجانب والمجال والمتعددة الأطراف و الفعاليات.

أيها الحضور الكريم، لقد حرصت مؤسسة رفيق الحريري في السنوات الخمس الماضية على أن يطرح مؤتمرها التربوي السنوي قضية محددة تكون في الوقت عينه ذات أولوية مفاهيمية وحاجة مجتمعية، ليقين راسخ لدى المؤسسة أن التربية هي في مقدمة الأدوات التي تخدم، إلى جانب اكتساب المعارف وتطوير المهارات، في توسيع قدرة الفرد على الفهم العميق لما يدور من حوله، وفي إعانته على اتخاذ الحكم السليم والمتزن بشأن المعضلات التي تواجهه، اضافة الى تمكينه من رسم رؤية مستنيرة لنحت مستقبل أفضل.
وها هي المؤسسة في مؤتمرها السادس تتوسل النهج عينه إدراكاً منها للحاجة المتعاظمة لمقاربة مماثلة في ظل ما نشهده راهناً من أزمات متتالية وإختناقات متواترة وتحولات ليست كثيفة المحتوى ومتعددة البعد فقط بل هي إستثنائية السرعة، و”كأن الافكار باتت لا تعيش عمر ولادتها” بحسب تعبير الكاتب بول شاوول، مخلفة وراءها تشتتاً وضياعاً، فإنقطاعاً مع ما سبق، وقصوراً في بصيرة تهيئ لما سيتبع، وهذا يقود إلى الأخذ بفرضية جاءت على لسان الكاتب الانكليزي H.G. Wells. – 1866 – 1946 وان كانت تعود الى قرن أو يزيد من الزمن، ومفادها “أن تاريخ البشرية في جلّه سباق محموم بين الفاجعة والتربية”. فإذا صحت مقولة كهذه، وهذا ما تثبته حركة التاريخ يوماً بعد يوم، فليس من خيار أمامنا سوى المزيد من التعويل على التربية مساراً إنقاذياً سيما لجهة إرساء ثقافة تهذب الضمير الفردي والجمعي فتشكل في جوهرها حالة فكرية وفلسفة حياة ترتكز على النزعة الإنسانية القائمة على قيم ومبادئ مستدامة التأثير والمفاعيل، مستحدثةً تردداتٍ حميدة تنفلش على كامل المحيط وما أبعد منه.
ولا يأتِ تعبير الإستدامة في هذا السياق ليحمل مفهوماً مراوغاً يصعب الإتفاق حوله، بل هو معطى يقوم على التداخل بين الأمس واليوم والغد، ليس بالبعد الزمني فقط، بل من منظور البناء على جهود فاعلة سبقت، وأخرى جدية قائمة، وذلك بغية استكمال مسار واضح المعالم والاتجاه.
إنطلاقاً من هذه المقاربة نفهم الإستدامة على انها حق أبناء الغد وما بعده في ان يخدم ما يُصنع اليوم من قرارات مصيرية، تطال الكوكب الذي تتعاقب الأجيال على العيش بفيئه، في صون ذلك الكوكب معافى وصالحاً لاستمرار العيش فيه. وحق أبناء الغد وما بعده بالتمتع بمعارف الأمس وتراثه واكتشافات اليوم وإنجازاته ليضيفوا اليها إبداعاتهم وإبتكاراتهم. كما حقهم بإستكمال الجهود لإيجاد حلول للمشاكل الإنسانية بكل مكوناتها وتحولاتها، صوناً للسلم الأهلي ودعماً للسلام العالمي عبر بناء جسور التقارب بين الجماعات والشعوب.
وأضافت “ظني أن مفهوماً كهذا للإستدامة هو ما تبني أجندة التنمية المستدامة للعام 2030 عليه من أهداف، وما تتخذه من مقاصد وغايات بغية تحقيقها لصالح البشرية جمعاء ومن دون استثناء. وظني أيضاً أن مفهوم الاستدامة هذا هو الذي ترى مختلف المرجعيات، ومن بينها المديرة العامة السابقة للاونيسكو ايرينا بوكوفا، بأن التربية هي القوة التحويلية لترجمته تنمية إنسانية شاملة وممتدة. إذاً فالإستدامة بهذا المعنى، والتي نعول على التربية كي تجعلها عماد منظومتها ورؤيتها الإستراتيجية، لا تعني أبداً الدعوة الى نمط عيش ساكن، ولانهج أداء ثابت، ولا سلة قيم جامدة ومنكفئة. بل هي الحض على التجدد المستدام على أسس بينة وركائز صلبة تتيح للمتعلم التأهل لتحديات الغد وتبدلاته مزوداً بالكفاءات والمهارات كما الطاقات الكفيلة بجعله قادراً على التعامل معها والتكيف لإستيعابها. و نحن اذ نرى التقانة الحديثة تقتحم حياتنا بشكل متسارع فتغير نمط عيشنا وتبدل مقاربتنا، ونحن إذ نشهد الإبتكار المرافق لها يفضي الى تبديل في مكانة أدوات إنتاجنا مكرساً الإنتقال من أولوية رأس المال إلى جدارة المواهب، ومن إستقلالية الدور إلى شراكة بين الإنسان والذكاء الإصطناعي، فإنه لا بد لنا والحالة هذه، وصونا لإستدامة البعد الإنساني في أدائنا البشري، من:
دعوة التربية الى جعل علاقة الفرد بالتقانة علاقة تساؤل واستفسار لا تبعية وإنقيادا. حيث ان الابداع والشغف والريادة هي سمات إنسانية لا يجوز للآلة أن تعطلها بل عليها أن تكون أداة للتعلم المستمر لمواكبة المستجد.
ودعوة التربية الى أن تعزز دورها المعهود بدور إضافي مأمول يقوم على صياغة سردية وطنية جامعة تؤسس للسلام الدائم وقيمه وتروج لمحورية التنوع الثقافي واحترام الاختلاف وتمتين العلاقات الإنسانية وتوطيد أواصرها عبر تعميق الوعي بمفاهيم تكافؤ الفرص والعدالة الإجتماعية والإمتثال للمساءلة لتعظيم العائد الإجتماعي.
ودعوة التربية الى إثارة الوعي لجهة الحفاظ على التنوع البيولوجي صنواً للتنوع الثقافي وذلك عبر الترويج لمناصرة البيئة في شتى الانشطة البشرية، إستهلاكاً وإنتاجاً، لوصل ما انقطع وتحاشياً لمنزلق خطر يتمثل بإهدار واستنزاف للموارد الطبيعية وجنوح نحو سيطرة مؤذية على الطبيعة تؤدي الى إندثار تحفل الأبحاث العلمية بإستشرافه، فتكون البشرية أولى ضحاياه وليس أداته فقط.
وتابعت السنيورة بعاصيري”نلتقي اليوم في إطار مؤتمر تربوي لأننا ندرك أن للتربية ما تقوله في وقت الأزمات والتحديات، وعليها ما تقوم به في زمن التحولات والتبدلات، فهي أولاً وقبل كل شيء مؤتمنة على تنشئة جيل قادر على قيادة المستقبل ليس بادوات اليوم بل بمبتكرات الغد.
وختمت “نلتقي في مؤتمر تربوي يؤمه جمع من التربويين والمهتمين والناشطين الإجتماعيين، ويتحدث فيه كوكبة من المفكرين والأكاديميين والمختصين ليتداولوا في محاور المؤتمر، وهي إن تنوعت فانها تتناول مسائل التنمية الإنسانية و مقتضياتها، ومستقبل البشرية وموجباتها، من مظور بعيد المدى تؤطره ثقافة الإستدامة. فالشكر لهم فرداً فرداً على إسهاماتهم الفكرية المميزة. وكم يسعدنا أن تكون لجنة الأمم المتحدة الإقتصادية والإجتماعية لغربي آسيا ممثلة بالدكتورة خولا مطر حاضرة بيننا اليوم لتشاركنا الرؤى وتضعنا في صورة جهود المرجعية الأممية للنهوض بمجتمعاتنا العربية عبر مقاربات مستنيرة ومستدامة.”
وبدورها تحدثت نائبة الأمين التنفيذي للاسكوا لشؤون دعم البرامج خولة مطر فنوهت بما تقدمه الجامعة الاميركية في بيروت للمنظمة وللمنطقة وتناولت أهداف الإستدامة وتعريفها والإستراتيجية التربوية منوهة بالعنوان الذي ينعقد تحت شعاره المؤتمر وقالت” لا يمكن ان نحارب الفقر دون أن ننمي التعليم .
وعرجت مطر على الأسباب الكامنة وراء معاناة الأطفال والتي تندرج خارج إطار التعليم متحدثة عن ما تقوم به المنظمة حيال هذا الموضوع سواء في ليبيا أو اليمن أو ما قامت به العام الماضي في سوريا .
وقالت ان المنطقة أصبحت الأعلى بين اللاجئين بين مختلف دول العالم ومن هنا وجب النظر الى الجذور واحترام حقوق الانسان وعدم التهميش بناء على العرق أو الجنس .
وعددت دور الأجندة الإقليمية للإسكوا وقالت إنها تستند على بناء الإنسان منتقدة تحويل المدارس الى وسائل للربح .
وأشارت الى الدراسات التي أعدتها الاسكوا حيال دراسة الأوضاع التنموية في كل بلد ومنها قضايا المراة والمنازعات مشيرة الى استخدام كافة الجهود في المنطقة من أجل دعم الإنسان وحقوقه واعدة بدعم أكبر .
الجلسات
بعد ذلك، تم عقد أربع جلسات، تمحورت الجلسة الأولى حول ثقافة الاستدامة والاستثمار في تطوير الموارد البشرية فيما تحدثت الثانية عن ثقافة الإستدامة وتمتين العلاقات أما الجلسة الثالثة فإنعقدت حول عنوان مناصرة البيئة والرابعة تناولت التوصيات.
وحاضر في الجلسات الأربع مجموعة من الأساتذة المتخصصين من مختلف جامعات لبنان بينهم رئيس جامعة رفيق الحريري الدكتور أحمد الصميلي ونخبة من المستشارين التربويين .
التوصيات
وخلص المؤتمر الى اصدار سلسلة من التوصيات ابرزها ”
ان التنمية المستدامة مقاربة شاملة وتشمل جهات فاعلة مختلفة من أفراد ومؤسسات ومنظمات ومجتمع مدني لوضع خطط عمل وتحديد الأولويات.
وتشمل التوصيات الرئيسية لتحقيق التنمية المستدامة ما يلي:
– تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص (مثلا: قطاع الطاقة المتجددة)
– العمل على الأولويات وإيجاد الحلول والابتكارات المتكاملة والشاملة.
– التركيز على التعليم كأساس للابتكار
– تعزيز ثقافة الاستدامة من خلال التعليم
– تطوير التعليم الجيد والبرامج والمهارات وريادة الأعمال، والوصول المستدام الى المعرفة والمهارات، والعقل النقدي.
– ضمان التمويل المستدام لتطبيق وتنفيذ مبادرات محلية
– جعل المعلومات والمعرفة في متناول الجميع وبأسعار معقولة (على سبيل المثال: التعليم عبر الإنترنت …)
إن التنمية المستدامة عملية طويلة الامد للتغيير في استخدام مواردنا وتغيير سلوكنا وينبغي أن تقوم على شراكات قوية وفعالة وإقامة شبكات تبادل المعرفة والمعلومات.
[email protected]

لمشاركة الرابط: