كرمت جامعة بيروت العربية خلال حفل تخريج طلابها ال 61 منذ أيام ، الجراح الفلسطيني غسان أبو ستة الذي يحمل كذلك الجنسية البريطانية ، من هو هذا الجراح المكرم ؟
الدكتور الجراح أبو ستة هو أحد الناجين من مجزرة مستشفى المعمداني الذي استهدفه الإحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه على قطاع غزة.
فقد ظهر بعد المجزرة التي راح ضحيتها يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي قرابة 500 مدني فلسطيني، بردائه الطبي وسط جثامين الشهداء وروى مأساة المجزرة أمام عدسات الكاميرات بصفته شاهداً ناجياً وطبيباً أتى ليؤدي وظيفته لا أكثر.
وأصبح أبو ستة شاهداً على مجازر الإحتلال الإسرائيلي وعلى ممارسته وأسلحته غير القانونية التي استعملها ضد المدنيين في القطاع، وعلى استهدافه المنظومة الصحية حتى انهارت تماما، موثقا ذلك في حسابه عبر منصة “إكس”.
وأعلن أبو ستة تقديم شهادته أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل، علما أنه قدم شهادته أيضا أمام الشرطة البريطانية للغرض نفسه، وقال إن هذه الشهادة ستقدم باعتباره أحد الناجين من مجزرة المعمداني، وسيوثق نوع الإصابات التي عالجها والأسلحة المستخدمة والمحرمة دوليا.
أبو ستة المكرم هو أستاذ مشارك في علم الجراحة والتجميل، و أول طبيب عربي يضع منهجا دراسياً متخصصاً عن طب النزاع والحروب لتدريب الأطباء المبتدئين، فقد عمل جراحاً متطوعاً في الحروب في كل من سوريا والعراق واليمن وقطاع غزة.
الولادة والنشأة
ولد غسان أبو ستة في الكويت لأب فلسطيني وأم لبنانية في عام 1969، وكانت عائلة والده قد هجّرت من بئر السبع في عام 1948 إلى خان يونس، وانتقل والده إلى الكويت في عام 1953.
حاول والده إبعاده عن السياسة لإيمانه أن خلاص الشعب الفلسطيني بالتعليم، فهو من عائلة سياسية مناضلة في غزة، فعمه كان من قادة ثورة 1929 المعروفة بثورة البراق وثورة 1936 ومن المنظمين للعمل الفدائي بعد نكبة 1948، وأكمله في جنوب الأردن بعد حرب 1967.
درس في مدرسة دار الحنان الابتدائية، وكانت تديرها رئيسة اتحاد المرأة الفلسطينية والعضوة في المجلس الثوري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) سلوى أبو خضرا ، وهو ما يقول إنه أثر على مجرى حياته، فكانت السياسة جزءا من طفولته كبر معها وتأثر بها، وزادت أيضا من وطنيته رغم الغربة.
الدراسة
درس أبو ستة في جامعة غلاسكو عام 1989 بأسكتلندا وتخصص في الجراحة، وعمل في العاصمة البريطانية لندن بعد تخرجه عام 1993، ثم تخصص بعدها في جراحة الرأس للأطفال وجراحة الحنك المشقوق في مشفى “غريت أورموند ستريت”، وقد ركز في بداية مشواره الطبي على علاج الأطفال.
كان انتقاله إلى لندن للدراسة الجامعية مرحلة جديدة من حياته على الصعيدين السياسي والمهني، فهناك انغمس أكثر في قراءة الكتب السياسية، فتبلور فكره السياسي وكانت حينها انتفاضة الأقصى في أوجها، وشكّل الطب عائقا أمام التزاماته في هذا الجانب.
انضم في الجامعة إلى جمعية العون الطبي للفلسطينيين، ومن خلالها دأب على التعريف بالقضية الفلسطينية، ونظم محاضرات من أجل ذلك، ومن خلالها أيضا أسس مع زملائه “الفرع الأسكتلندي للجمعية” الذي أصبح عضوا في المكتب التنفيذي لجمعية العون الطبي للفلسطينيين التي كرست نشاطها لجمع التبرعات وإنشاء عيادات في فلسطين وجنوب لبنان.
التجربة الطبية
انضم أبو ستة في عام 2011 إلى المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت، وترأس بعدها بعام قسم الجراحة التجميلية والترميمية وبرنامج إصابات الحروب للأطفال حتى عام 2020، ثم تسلم العيادة المتعددة التخصصات بإصابات الحرب.
وشارك الطبيب الفلسطيني في تأسيس منهاج “طب النزاعات” في معهد الصحة العالمي عام 2015 في الجامعة الأميركية ببيروت، ثم صار مديرا له.
قاد أبو ستة عملية جراحية بالواقع المعزز عبر منصة تفاعلية على الإنترنت، وكانت الأولى من نوعها في لبنان والمنطقة، وساعدت جراحاته في غزة على إعادة بناء يد طفل عانى من عيب خلقي.
ومع بداية جائحة كورونا عام 2020 ترك لبنان وعاد للاستقرار في بريطانيا ، وبدأ العمل في الجراحة التجميلية والترميمية بالقطاع الخاص، وبدأ عام 2021 العمل محاضرا في مركز دراسات الانفجارات بجامعة “إمبريال كوليدج”.
آمن أبو ستة بعد هذه التجربة المهنية بأن الطب أداة فعالة لتنظيم المجتمع وتفعيله وزيادة تماسكه بشكل لا يوفره العمل السياسي، ومن حينها بدأ يحاول الربط بين المسارين ورأى أنه لا تناقض بينهما.
ويرى أن شهادة الطبيب والعامل في القطاع الصحي أقوى من أي بروباغندا أخرى سياسية تروج في المجتمع الغربي.
وكان فريقه أول فريق يدخل كربلاء والنجف بعد حرب العراق لدراسة الأوضاع الصحية هناك وتوثيقها بشكل فند الرواية الأميركية التي ادعت أن تلك الحرب كانت “نظيفة وأخلاقية”.
حروب غزة
منذ الانتفاضة الأولى عام 1987 كان أبو ستة حريصاً على الحضور والمشاركة في علاج الجرحى الفلسطينيين، وكان حينها لا يزال طالبا في كلية الطب، وحين أصبح جراحا عاد إلى غزة في وقت اندلاع الانتفاضة الثانية، وتطوع في علاج المصابين طبيبا ميدانيا.
وفي الحروب الأربع التي شنها الاحتلال بداية الألفية (2008 و2012 و2014 و2018) على قطاع غزة كان حاضرا في القطاع لعلاج أهله الفلسطينيين، كما حضر أكثرها قساوة وشدة عام 2023 عندما هاجم الاحتلال الإسرائيلي القطاع رداً على معركة “طوفان الأقصى” يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي على مستوطنات غلاف غزة.
وكان أبو ستة يجري عمليات جراحية طارئة باستمرار ودون توقف، ويتنقل بين المستشفيات لمعالجة المصابين، ومعظمهم كانوا من الأطفال .
دخل أبو ستة القطاع عبر معبر رفح بعد أسبوعين تقريبا من بدء العدوان الإسرائيلي، والتحق بالطاقم الطبي الذي كان منهمكا في معالجة 12 ألف مصاب أصيبوا فقط في 12 يوما، وبقي لأكثر من 40 يوماً يداوي ويعالج في ظل نقص الأدوية والمستلزمات الطبية وانقطاع الماء والكهرباء حتى أنه أجرى عمليات جراحية بدون تخدير.
وقد علم الطبيب الفلسطيني البريطاني أن شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية ضايقت عائلته بسبب وجوده في غزة، وأن زوجته استجوبت بشأن سبب سفره إلى فلسطين، وعن المسؤول عن دفع تذكرته والمؤسسة الخيرية المسؤولة التي كان يساعدها، ليخرج بعدها من غزة قائلا إنه لا فائدة من وجوده، فلا علاج ولا منظومة صحية سليمة ولا مسلتزمات طبية.
المناصب والمسؤوليات
في عام 2012 عُيّن أبو ستة مسؤولاً طبياً عن برنامج إصابات الحرب للأطفال في المركز الطبي في الجامعة الأميركية ببيروت.
وعين كذلك عضواً في مجلس جمعية إنارة الخيرية المتخصصة في توفير الجراحة الترميمية للأطفال المصابين من الحروب في الشرق الأوسط ، وعضواً في مجلس أمناء مؤسسة المعونة الطبية للفلسطينيين في بريطانيا.
وشغل كذلك المراكز التالية :
– تطوع جراحاً في حروب عدة جرت في سوريا والعراق واليمن والجنوب اللبناني، وفي حروب عدة بغزة.
– محاضر شرفي في مركز دراسات إصابات الانفجار بجامعة إمبريال كوليدج في لندن.
– محاضر أول زائر في فريق أبحاث الصراع والصحة بجامعة كينغز كوليدج في لندن.
– مسؤول طبي في مبادرة “الرضوح” بالمكتب الإقليمي لشرق المتوسط التابع لمنظمة الصحة العالمية.
– انتخب رئيساً لجامعة غلاسكو لمدة 3 سنوات يوم 27 مارس/آذار 2024 بتصويت نال فيه 80% من تأييد طلبة الجامعة.
المؤلفات
ألّف الطبيب الجراح أبو ستة الكتاب الطبي “إعادة بناء المريض المصاب في الحرب”، ويعد من أوائل الأطباء العرب الذين ركزوا على هذا الجانب وخصصوا منهجاً دراسياً متخصصاً للطلبة المبتدئين لتدريبهم على التدخلات الجراحية اللازمة بعد المعارك.
وخصص أبو ستة حسابه على منصة “إكس” ليكون منبراً توثيقياً لما يمارسه الإحتلال في قطاع غزة، ووثق تجربته الطبية وجراحاته وقصصه الصعبة خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي بدأ في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويعرف أبو ستة بجهوده في إيصال صوت الفلسطينيين، وشارك في تأليف كتاب “سردية الجرح الفلسطيني” مع الكاتب الصحفي ميشال نوفل عام 2020، وفيه كشفا عن خطة إسرائيل لجعل نصف الشعب الفلسطيني “غير قادر جسديا على العيش” وإشغال النصف الآخر بعلاج النصف الأول، فيشل بذلك حياتهم الطبيعية ويجعلهم مجتمعا غير قادر على عيش حياة طبيعية اجتماعيا واقتصاديا وصحيا.
وسخّر خبرته بصفته طبيبا في الحروب للمشاركة في عدد من الدراسات بشأن تأثير الحروب على معدل وفيات الأطفال، ونسب سوء التغذية واستهداف المؤسسات الصحية في لبنان وفلسطين.
كما أنجز أوراقا بحثية في هذا المجال، فكتب عن “كيفية استهداف المؤسسات الصحية في بلدان الحروب” و”أثر الحرب الأميركية على العراق على معدل وفيات الأطفال وسوء التغذية”.
المصدر : الجزيرة – الصحافة الفلسطينية