مذبحة سربرنيتشا البوسنية .. قصة حصاد الجماجم تحت أنظار العالم المتحضر !

في هذه الأيام تمر الذكرى ال 25 لأكبر مذبحة في التاريخ الحديث عرفتها الأراضي الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية المجزرة التي خلفت حوالي 8 آلاف ضحية من مسلمي البوشناق في البوسنة.
وفي لمحة تاريخية ، كانت البوسنة والهرسك جزءاً من جمهورية يوغوسلافيا التي كانت تضم سبع دول في دولة واحدة (كرواتيا- صربيا- البوسنة و الهرسك – سلوفينيا – الجبل الأسود – مقدونيا – كوسوفو) تحت الحكم الشيوعي وكانت تعد من أقوى الدول الأوروبية. وفي مطلع التسعينات من القرن الماضي اجتاح البلاد الفكر القومي ومعه تشكلت الحركات القومية ، وبدأت الأصوات المطالبة بالتفكك والإنفصال عن جمهورية يوغوسلافيا وكان من مقدمة الدولة التي انفصلت عن يوغوسلافيا هي سلوفينيا سنة 1991 مفسحة بذلك المجال لباقي الدول التي كانت تطالب بنيل استقلالها.
وكانت من بين هذه الدول كرواتيا ومقدونيا وكانت البوسنة قد طرحت استفتاءً للإنفصال عن يوغسلافيا ، إستفتاءٌ قاطعه سياسيون صرب من البوسنة وبالفعل في 29 من فبراير لسنة 1992 أجري استفتاء للإستقلال وقد كانت نتيجته بأن أغلبية ساحقة أيدت الإنفصال عن يوغوسلافيا ، وتم الإعتراف بجمهورية البوسنة والهرسك دولة مستقلة وفي ظل تزايد الإعتراف الدولي بجمهورية البوسنة والهرسك تحركت قوات صرب البوسنة، المدعومة من الحكومة الصربية بقيادة سلوبودان ميلوسيفيتش وميليشيا الجيش الشعبي اليوغسلافي التي كانت بمثابة يد الصرب الضاربة في البوسنة معلنين الحرب على مسلمي البوسنة لتبدأ معها حكاية التطهير العرقي وإلإبادات الجماعية وسفك الدماء بدم بارد واغتصاب النساء وتهجير المدنيين والعديد من المذابح أشهرها مذبحة سربرنيتشا.
ما قصة مذبحة سربرنيتشا؟
في آذار مارس 1995 طوق صرب البوسنة المدينة تحت تعليمات رادوفان كرادزيتش زعيم صرب البوسنة وتم حصار المدينة وتجويعها للضغط على المقاتلين البوسنيين للخروج من المدينة ، وتقع مدينة سربرنيتشا شرق جمهورية البوسنة والهرسك ، وفي ظل ملاحقة مسلمي البوسنة الذين كان يشكلون عائقاً أمام صرب من أجل إعادة تشكيل ما تبقى من الإتحاد اليوغوسلافي ، كانت سربرنيتشا تشكل أحد أهم المناطق التي يتواجد فيها مسلمو البوسنة وكانت مدينة سربرنيتشا من المناطق المستهدفة من قبل الصرب وخاصة بعد التغلغل الصربي في شرق البوسنة والهرسك سنة 1992.
أعلنت الأمم المتحدة في نيسان أبريل سنة 1993 أن سربرنيتشا منطقة آمنة تحت حمايتها وكان يمثل الأمم المتحدة عناصرٌ للقوات الهولندية التي كان عددها حوالي 400 عنصر ، وفي مقابل ذلك فرضت الأمم المتحدة على المقاتلين البوسنيين الذين كانوا يحمون المدينة من المد الصربي نزع السلاح وتسليمه ، وفي الحقيقة لم تكن هذه الخطوة إلا حيلة من القوات الهولندية من أجل تأمين المدينة وتهيئتها للقوات الصربية لشن حملتها التطهيرية على مسلمي البوسنة.
وفي ىذار مارس 1995 طوق صرب البوسنة المدينة تحت تعليمات رادوفان كرادزيتش زعيم صرب البوسنة ، وتم حصار المدينة وتجويعها للضغط على المقاتلين البوسنيين للخروج من المدينة وعلى إثر ذلك نشبت اشتباكات بين قوات الصرب والبوسنيين وكل هذا كان أمام مرأى ومسمع قوات الأمم المتحدة الممثلة بالكتيبة الهولندية التي كان من المفروض أن تحمي البوسنيين أو على الأقل أن تكون قوات حفظ السلام كما تسمي وجودها في تلك المنطقة. وفي تموز يوليو 1995 نجحت قوات صرب البوسنة بالدخول لسربرنيتشا والاستيلاء عليها.
في تلك الأثناء حذرت القيادة البوسنية في سراييفو الأمم المتحدة في 8 من يوليو من أن عمليات تطهير عرقي تجاه المسلمين في المدينة قد تقع، عقد اجتماع ترأسه السفاح ومجرم الحرب راتكو ملاديتش مع بعض جنرالات صرب البوسنة لوضع اللمسات الأخيرة للبدء في عمليات الإبادة وبعد الإجتماع بيوم خرج راتكو ملاديتش أمام وسائل الإعلام يتجول في المدينة يتوعد لسكانها بالأمان والحماية السماح لهم بالخروج من المدينة.
11 يوليو 1995 يوم المجزرة
بعد مغادرة وسائل الإعلام في اليوم نفسه وانتهاء المشاهد التمثيلية من قبل راتكو ملاديتش وقواته بدأت المذبحة ، وتمهيداً لها تم فصل الرجال عن الأطفال والنساء واقتيد الرجال إلى موقع المجزرة والنساء إلى مخيمات تمهيداً لإغتصابهن من قبل الجنود الصرب بعد الانتهاء من قتل رجالهن . إستمرت تلك المجزرة أربعة أيام كانت خلالها الجرافات تحفر المقابر الجماعية ويتم قتل أهل سيربرنيتشا بشكل جماعي ومن سنحت له الفرص للهرب من تلك المجزرة ، كانت الغابات هي الخيار الأوحد للنجاة بحياتهم رغم أنها كانت تشكل خطراً هي الأخرى لأنها كانت مزروعة بالألغام وكل هذا يتم أمام أعين قوات حفظ السلام الأممية بدون أن تحرك ساكناً أمام مذبحة راح ضحيتها 8 آلاف من مسلمي البوسنة ، مذبحة لم يستثنى منها لا كبير ولا صغير.
رد الأمم المتحدة
ردت الأمم المتحدة ببيان إستنكاري تدين فيه الإبادات وعمليات التطهير العرقي في حق مسلمي البوسنة وتتوعد بملاحقة مرتكبي تلك الجرائم. بيانٌ زائف لم تتجاوز كلماته تلك الورقة التي كُتب فيها الإستنكار، وفي سنة 2005 إعتبر أمينها العام أن ضحايا سربرنيتشا تم قتلهم بطريقة متعمدة وممنهجة واعتبرت أن هولندا مسؤولة عن تلك المجزرة بتواطئها وتقاعسها عن حماية المدنيين ، وفي المقابل تبرئ الأمم المتحدة نفسها من مسؤوليتها في المذبحة وتحاول غسل يديها الملطخة بدماء البوسنيين في تلك المذبحة.

وقفة
مذبحة سربرنيتشا أماطت اللثام على الوجه المصطنع الذي تروج له الأمم المتحدة بين الشعوب ببعض الكلمات الزائفة و بيانات استنكارية براقة تدين وتستنكر إذا غابت الحجج والأدلة وإذا ظهرت الحجج مارست سياسة التعتيم من أجل تزييف الحقائق.
سربرنيتشا ستبقى وصمة عار على جبين المنظمات الإنسانية الدولية لأنها كشفت عن تلك الصورة المزيفة وعرتها أمام الملأ. الذاكرة الجريحة لا تنسى مآسيها مهما حاول الزمن أن يوهمها بالنسيان.

عن الجزيرة نت

لمشاركة الرابط: