آخر من ينفر أو يستاء من عودة لبنان “جزءاً من بلاد الشام” هو “حزب إيران/ حزب الله”. لماذا؟ لأنه سعى، منذ العام 2000 على الأقل، الى تطبيق مشروع “الإمبراطورية الفارسية” التي تستوعب بلاد الشام وما بعدها. وبعد حرب 2006 عملت إيران و”حزبها” على إعادة رسم الاستراتيجية الدفاعية لتصبح الدولتان، سوريا ولبنان، ركيزة/ ساحة أساسية لتوسيع رقعة “المقاومة”، بالإضافة الى غزّة- “حماس” و”الجهاد”. ومع اندلاع الثورة الشعبية في سوريا عام 2011 وبروز مؤشرات انهيار دولة البعث الأسدية تجندت إيران و”حزبها” وميليشياتها متعددة الجنسية للدفاع عن النظام وإدارة استمراره ليبقى واجهة “شرعية” للتمدد الإيراني. في المقابل، راح “الحزب” يعزز هيمنته على الدولة اللبنانية وصولاً الى فرض رئيس للجمهورية ينفّذ سياساته ويغطّي أفظع انتهاكاته للسيادة اللبنانية بل يرضخ لرأيه في عملية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.
في الأثناء، حقّق “الحزب” خطوات متقدمة في “إعادة لبنان الى بلاد الشام”، وأشار مراراً الى ترتيبات “سايكس- بيكو” وعدم اعترافه بها، إذ أزال عملياً الحدود بين لبنان وسوريا فكانت المعابر الرسمية ومعابره الخاصة مفتوحة وناشطة، وأرفق ذلك بإنشاء “مستوطنات” داخل الأراضي السورية وإقامة مستودعات للأسلحة وورشٍ لإنتاج صواريخ ومعامل وشركات لتصنيع المخدرات وغيرها لمصلحته ومصلحة إيران ونظام الأسد… وعلى المستوى الجيوسياسي صارت إيران موقنة بأنها وضعت أسساً متينة للربط بين البلدين، واستعادت الصيغة العثمانية في التعامل مع “ولاية الشام” و”ولاية بيروت” بالإضافة الى “ولايات” العراق واليمن وغزّة. وتجلّى هذا الربط خصوصاً في استخدام لبنان ونظامه المصرفي في التحايل على العقوبات الدولية المفروضة على سوريا وإيران، ومع أن لبنان لم يتعرّض لعقوبات إلا أن سيطرة دمشق وطهران و”الحزب” على منظومة الفساد في الحكم اللبناني قادت الى احدى أسوأ وأخطر الأزمات الاقتصادية والمالية في العالم منذ 1850 في تقديرات البنك الدولي.
يُفترض أن تحذيرات المبعوث الأميركي توم برّاك موجّهة الى الدولة اللبنانية و”حزب إيران” معاً، لأنه اعتبر أن “نزع السلاح” يجب أن يكون “بإدارة الدولة وبموافقة كاملة من الحزب”. لا شك أن الكلام عن “تهديد وجودي” للبنان و”عودته الى بلاد الشام”، يقلق الدولة ويعزّز الشكوك بأن واشنطن في صدد الانقلاب من رعاية متضائلة الجدوى للبنان (لأنه يتقاعس في نزع سلاح “الحزب”) إلى رعاية ورهان على سوريا (لأنها طردت إيران من أراضيها وتستعد لخطوات “تطبيع” مع إسرائيل فاستحقّت رفع العقوبات عنها). لكن هذه التحذيرات لا تخيف “الحزب”، بل إنه على العكس يتطلّع الى أي سيناريو خراب يمكن أن يخفّف أو يوقف الضغوط عليه في شأن سلاحه. فهذا “الحزب” حدّد خياراته القصوى لبنانياً بـ “حرب أهلية” ويُستدلّ من ردود أفعال عناصره و”بيئته” أنه يرحّب بإشعال أي فتنة طائفية في سوريا حتى لو كان لإسرائيل دور رئيسي فيها، ومن الطبيعي أن تكون إيران محبذة ضمنياً الهدف الذي لا تزال إسرائيل تعمل عليه وهو “تقسيم سوريا” اعتماداً على الأقليات، وهذا في حدّ ذاته تهديد وجودي مباشر لـ “بلاد الشام”.
مَن يخشى ‘العودة إلى بلاد الشام’؟
المصدر : النهار- عبدالوهاب بدرخان







