إذا سلّمنا جدلاً أنّ نسبة قرّاء الكتب في البلدان العربيّة متدنّية جدًّا؛ بل شبه معدومة قياسًا إلى الدول الغربيّة، فهذا لا يعفينا من المسؤوليّة تُجاه أطفالنا والناشئة للعمل على تشجيعهم على القراءة وجعلها جزءًا لا يتجزّأ من حياتهم وبناء شخصيّاتهم، وقلب المعادلة برفع نسبة القرّاء مستقبلاً، وصولاً إلى المستويات العالميّة، لما لذلك من تأثير على التطوّر الفكري والحضاري لمجتمعاتنا.
إنّ مسؤولّيتنا في هذا الإطار تبدأ أوّلاً بالحكومات والوزارات المعنيّة بالتربية والتعليم والثقافة والإعلام، والتي عليها وضع استراتيجيّتها ومخطّطاتها لتعزيز القراءة عند الأطفال والناشئة، والتي تشمل بشكل رئيس:
– المناهج المدرسيّة، بتخصيص حصص من أوقات التدريس الأسبوعيّة للطلاّب لقراءة القصص، بشكلٍ يبتعد عن روتين الدراسة المُعتمد (مناقشة هذه القصص، وتلخيصها من قبل الطلاّب، وإدخالها في نشاطات مشوّقة كتجسيد أبطال القصّة في مشاهد تمثيليّة يقوم بها الطلاّب، أو إقامة مسابقات حول مضمونها ومفرداتها، إلى ما هنالك من نشاطات تحفّزهم وتشجعّهم على قراءة القصص بشكل دائم في المدرسة أو خارجها).
– اعتماد برامج المكافآت والجوائز العينيّة والماليّة المخصّصة للأطفال واليافعين لقراءتهم القصص (قراءة أكبر عدد من القصص، أجمل تلخيص لقصّة، إلى ما هنالك). ويمكن التعاون في هذا الإطار مع المؤسّسات الخاصّة التي تسعى إلى إبراز دورها في خدمة المجتمعات، لتخصيص ميزانيّة دائمة لهذه الجوائز.
– اعتماد خطط إعلاميّة تطال الأطفال واليافعين وأهاليهم للتشجيع على القراءة وتوعيتهم حول أهميّتها.
– رعاية واحتضان المؤلّفين والرسّامين ليُبرزوا إبداعاتهم في تأليف قصص الأطفال واليافعين، وتقديم التسهيلات لدور النشر المهتمّة بنشر هذه الإبداعات، ما يكمّل خطّة رفع مستوى القراءة عند أجيالنا المستقبليّة.
كما أنّ المسؤوليّة تبدأ ثانيًا بالمؤلّفين والكتّاب الذين تقع على عاتقهم واجبات أبرزها:
– فهم متطلّبات وحاجات واهتمامات وتطلّعات وعقول ونفسيّات الأطفال واليافعين، الأمر الذي يساعدهم على اختيار مواضيع لقصصهم تلبّي هذه المتطلّبات، وتساهم في تنمية شخصيّة القرّاء وخيالهم وتوعيتهم، ومنها ما يواكب تطوّرات العصر.
– اعتماد الأسلوب المبسّط والمشوّق في الكتابة، وخلق شخصيّات في القصص يمتثلها القرّاء، وتدغدغ أحلامهم، وتحاكي فضولهم.
في هذا المجال، وانطلاقًا من تجربتي الخاصّة وموقعي ككاتب لقصص الأطفال (الفئات العمريّة بين 9 و 12 سنة)، ومؤلّف لروايات (الكبار)، وروايات (اليافعين)، لمست أنّ الأطفال واليافعين أكثر ما تستهويهم القصص التي تتمتّع بمستوى عالٍ من الخيال والمرح، وهذا لا يعني أنّ القصص الخالية من المرح والخيال الواسع غير مقبولة.
في تجربة خضتها قبل نحو ثلاث سنوات، بتأليف 41 قصّة قصيرة في مجلّدين (الفئة العمريّة بين 9 و12 سنة)، أردت توجيه الأطفال إلى أهميّة اكتساب صفات تنمّي شخصيّاتهم وتعلّمهم على تحمّل المسؤوليّة، وتكسبهم الوعي وتحصّن أخلاقهم و”الإنسان” داخلهم، فلم أكتب قصصي بطريقة الوعظ؛ بل استوحيتها من أحداث واقعيّة جرت مع أشخاص في قريتي في الستينيّات من القرن الماضي، ورسمت هذه الأحداث بالضحكة، أي على شكل نكتة، فكان لها الأثر الإيجابي لدى الأطفال، ولاقت رواجًا بينهم.
وكمثل آخر، وهذا باعتقادي تحدٍّ دائم للمؤلّف، كيف يمكن أن نتحدّث بالعِلم مع أطفالنا، ونقدّم إليهم معلوماتٍ علميّة – والعصر عصر علم – عن طريق القصّة؟.. لقد ألّفت قبل خمس سنوات سلسلة قصص بيئيّة (4 قصص)، تميّزت بالمعلومات العلميّة الدقيقة، وفي الوقت ذاته بالأسلوب الأدبي والتشويق، واعتُمدت هذه القصص في العديد من المدارس الخاصّة والحكوميّة في العديد من البلدان العربيّة. من هذه القصص قصّة سميّتها “الحارس أوزون”، وقد أوردت فيها كلّ ما يجب معرفته عن طبقة الأوزون وتأثيرها على حياتنا، وذكرت الخطوات العلميّة والبيئيّة التي يجب اعتمادها للحفاظ على هذه الطبقة وعلى حياتنا. كلّ ما صوّرته في القصّة أنّني خلقت بطلاً هو حارس الأرض والناس عليها ومنهم الأطفال، وهذا البطل اسمه أوزون الذي يُحارب بشجاعة الأشعّة ما فوق البنفسجيّة التي تريد أن تؤذي سكّان الأرض، ونجحت، والتوفيق من الله تعالى، بجذب القارىء إلى تقمّص شخصيّة هذا البطل، وبالتالي وصلت الرسالة التي أردتها أن تصل إليه.
لم أذكر ما ذكرت من باب التبجّح لا سمح الله، ولكنّني أردت التشديد على دورنا نحن الكتّاب في جعل المادّة التي نقدّمها إلى أطفالنا والناشئة، مطواعة بين أيديهم وفي أفكارهم وخيالهم، لأنّ مسؤولّيتنا كبيرة في ترسيخ ثقافة “حبّ القراءة” لدى الأجيال الناشئة، ومساهمتنا في نهوض مجتمعاتنا وأوطاننا.
يوسف البعيني
كاتب وروائي لبناني